"الانتخاب" في محطته الإجبارية .. هل من مقاربة نيابية للخروج من المأزق .. ؟!
راكان السعايدة
15-04-2012 02:26 PM
عمون - كتب - راكان السعايدة - أي مقاربة يمكنها أن تؤثر في مناقشات «النواب» لقانون الانتخاب؟ هل تتحكم المصلحة، الذاتية أم الوطنية، في النقاشات والتعديلات؟! وهل محصلة القانون تبرّد الأزمة الوطنية أم تصعدها؟!
تلك، وغيرها، أسئلة تلحّ على كل المكونات الوطنية، وتثير قلقا مضاعفا بعد قراءة نيابية أولى للقانون شكلت انطباعات أولى بأن طريقه لن يكون سالكا بسهولة، لا بجوهره الحالي ولا بما يجب أن يكون عليه.
فأمام قلة نيابية نظرت إلى القانون بمنظار سياسي مدرك لحساسية المرحلة وخطورتها، انبرت أغلبية تستحضر منطق سياسي وتشريعي يعاكس المنهج الإصلاحي المفترض.
أصوات علت تريد التحكم بنظام تقسيم الدوائر، وأخرى انحازت لمنطق المحاصصة، وترى القانون منحازا لطرف سياسي دون سواه.
التباين الشديد في القراءة الأولى، لم يكن في كيفية جعل القانون رافعة إصلاحية، بقدر ما كان تعبير عن رغبة في عدم إحداث تغيير جذري في جوهر القانون وآلياته، في إنحياز واضح لمنطق وحسابات ذاتية، أكثر منها انحيازا لمنطق الإصلاح السياسي والإدراك أن الظروف تغيرت وحقائق الأرض تبدلت وأن الوطن في مأزق ويبحث عن مخرج.
أي أن "المزاج" النيابي، وهو يعي حساسية القانون، يميل إلى تصميم القانون بمضمون من شأنه إضافة اختلالات جديدة إلى الواردة أصلا في بنيته.. عدا عن إمكان توظيفه، ليس لتحسين ظروف إعادة انتخاب نواب حاليين فقط، بل وجعله مجالا حيويا لمساومات تنتزع تقاعدا وجوازا رسميا.
أين المأزق الأساسي، وأي خيار متاح؟
تدرك الحكومة وقوى المعارضة، حزبيا وحراكا شعبيا، استحالة تعديل القانون وإقراره دون عبور محطة "النواب" بوصفها أضطرارية إلزامية دستوريا.
لان الانتخاب بموجب قانون (الصوت الواحد) المؤقت مستحيلا من الناحية السياسية، وإزاحة مجلس النواب بالحل لإصدار القانون بصفة مؤقتة مستحيلا أيضا، بحكم التعديلات الدستورية..
هذه المسألة يدركها النواب جيدا، ويعتقدونها، برغم شعبيتهم المتدنية، إن لم تكون المعدومة، المصدر الأساسي لقوتهم وحصانتهم المؤقتة من الحل، ومدخلهم للتحكم بالمسار وفرض رؤيتهم وشروطهم.
هل هذه إشكالية قانون الانتخاب فقط؟
لا، فالقانون يواجه إشكالية ، أولها، الاحتجاج عند قوى المعارضة المنضوية تحت مظلة الجبهة الوطنية للإصلاح، أحزاب المعارضة وشخصيات وطنية مستقلة، وكذلك الحراكات الشعبية في العاصمة والأطراف.. فضلا عن ملاحظات ليست هينة ابدتها أحزاب وسطية.
وثانيها، إشكالية الموقف النيابي من القانون بصيغته الحالية، فكيف سيكون الحال إزاء مطالب إصلاحه حسب رؤية المعارضة والحراك الشعبي.
إذ تأخذ المعارضة، احزابا وحراكا، بالحسبان الود المقطوع بينها ومجلس النواب، وإمكانية انعكاسه سلبا على منهجية تعامل "النواب" مع القانون من جهة، والتقليل من قيمة ووجهة نظر المعارضة، من جهة أخرى.
وتريد المعارضة من مجلس النواب، كممر دستوري إجباري، التعامل مع القانون باعتباره صيغة حكومية، غير نهائية، في مواجهته رؤية مختلفة حيال مسائل جوهرية في القانون.
الحكومة ترى أن تصميمها للقانون هدف تحقيق أوسع تمثيل شعبي برلماني عبر ميزات ليس أقلها إلغاء الصوت الواحد والدوائر الوهمية وإقرار مبدأ القائمة النسبية، وضمان النزاهة جهة مستقلة تشرف على العملية الانتخابية وتديرها.
هذا، برأي المعارضة، أمر صحيح نظريا لا واقعيا، فاعتماد المحافظة دائرة واحدة، فقد قيمته لحظة قيّـد الناخب بصوتين لا بعدد أصوات يساوي عدد مقاعد دائرته الانتخابية.
الأمر الآخر، المعارضة ترفض صيغة القائمة الحزبية، لاعتبارين، الأول، ضآلة حجمها (15 مقعدا)، والآخر، تقييد الحد الأعلى لحصة القائمة بخمسة مقاعد حتى لو حازت اكثر من ثلث الأصوات الممنوحة للقوائم.
تبرر الحكومة صيغة القائمة بمنطق توسيع فرص دخول الأحزاب للبرلمان، فيما الشق المعارض من الأحزاب يراه بدعا تشريعيا لا نظير له في العالم وهدفه إضعاف فرص تشكيل أغلبية حزبية برلمانية كانت ممكنة لو اعتمدت الصيغة نسبة 50% لقائمة نسبية وطنية مغلقة، و50% للدوائر وفق الأغلبية النسبية (الفردي).
يلحظ مراقبون أن المعارضة تتوافر على رؤية متماسكة تجاه مشروع القانون مقابل تباين واضح في موقف أحزاب الوسط بين الرضى والرضى النسبي والرفض والرفض النسبي.
صحيح، أن جوهر الاحتجاج العام، يتركز على مسألتي عدد اصوات الناخب مقارنة بعدد مقاعد الدائرة وحجم القائمة النسبية، لكن أيضا هناك ملاحظات ناقدة للبطاقة الانتخابية والمقاعد التعويضية.
الأكيد، أن الحكومة عندما صممت قانون الانتخاب وضعت جملة اعتبارات (...) بدا لسياسيين أن هدفها عدم إحداث تغيير بنيوي في تركيبة مجلس النواب المقبل، وتريد تنوعا شديد التباين في تركيبة المجلس، وتعددية واسعة تقلل من حجم التكتلات، خصوصا السياسية، تماما كما سعت إلى سد ثغرة أمنية باعتماد مقاعد تعويضية تحسبا لاحتجاجات ألوية كانت ممثلة في البرلمان ويحتمل فقدها هذا التمثيل.
هل من مقاربة فيها الحل..؟!
نعم، على قاعدة أن منظومة قوانين الإصلاح، وعلى رأسها قانون الانتخاب، هدفها تبريد الأزمة الوطنية باستجابات تحمل مقاربات لما يطرح في الحراك السياسي الوطني.
وأيضا، ما تقتضيه المصالح الوطنية العليا في ظل جملة استهدافات سياسية تعظمها ظروف دولية وإقليمية (...) وتعطي "إسرائيل" إن فلتت الأمور من عقالها، بيئة لتصدير أزماتها إلى ساحة تعتقد أن فيها الحل النهائي.
هذه القاعدة تقتضي.. قبول الحكومة اعتبار قانونها مقترحا يقبل التغيير والتطوير بلا تقديس لنصوصه وتقبل الآخر بعقل مفتوح.
وأن ينظر مجلس النواب إلى القانون من زاوية سياسية، لا مصلحية، وأنه جوهر الإصلاح، ومن حق باقي المكونات أن يكون لها رأي فيه.
كما أن المعارضة، أحزابا وحراكا، مطالبة بتفهم الاعتبارات والمحاذير الوطنية، وأن يكون لديها قابلية للتفاوض والتفاهم وتدرك أن أية قضية حيالها أكثر من وجهة نظر.
من شأن هذه المقتضيات، إن توافرت الإرادة، أن تفضي إلى تسويات تنتج قانونا انتخابيا توافقيا مرضيا للجميع، لا يُكره أي طرف على قبوله.
قانون انتخابي.. أكثر ديمقراطية، لا يبقي على القانون كما صاغته الحكومة، ولا يمنحه لمكون دون سواه يصوغه بمعزل عن باقي المكونات.
أزمة القانون الأساسية.. في الصوتين والقائمة النسبية، التوافق حولهما، إن توافرت الإرادة، يحل أكثر من نصف الأزمة.
(الرأي)