طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
د. جهاد البرغوثي
14-04-2012 09:05 PM
كتابٌ لعبد الرحمن الكواكبي نـُشر في مصر المحروسه عام 1901 حيث قال " ان اصل التخلف الاجتماعي هو نتيجة الاستبداد السياسي ، ودواؤه بالشورى الدستورية" .
فإذا عُرِّفت " السياسة " بالادارة الاجتماعية للحياة العامة ، فالاحزاب هي أداتها بكونها ذات مساس مباشر بحياة المواطن المعيشية والثقافية والوطنية، وعلى هذا النحو فالسياسة اطارٌ اتحادي تتجسد في الدولة وتجعلها قادرة على التكيف مع المتغيرات لما فيها من التنوع والتعدد لتلبية مطالب وخيارات اجتماعية .
· فالاحزاب التي تنبثق من مقولة ان " الشعب حر في اختيار من يمثله ، وهو مصدر السلطات " – هذا من دعائم كل نظام سياسي متطور ومستقر حتى امست السياسة نموذحا علميا تعمل به الدول المتقدمة والناشئة .
فالسياسة هي المساواة بين المواطنين ، وتعاقب الادارات في السلطة والحكم وتنوعها ، وحرية التعبير والتفكير والتصرف . فهي علم بذاته تتفرع منها الحكومة البرلمانية المنتخبة لتعمل تحت مظلة ديمقراطية الرقابة ، ومن ثمَّ تطبيق النظرية السياسية في احزاب برامجية ، والمعارضة البناءه القوية ، والمؤسسات الدولية ، والعلاقات الدولية .
·اما نحن ومنذ عقود من الزمن لا زلنا نعاني من عقدة " الاليغارشيا " حيث يتجمع النفوذ والسياسة لدى قِلة تـُسخـِّر الحكم والقوانين لخدمة مصالحها ، فتقوم تارة بالغاء "الاحزاب " ، وتارة تضعها وتسُوَّقـُها كديكور ، واحيانا تـُقزِّمها دون إلغائها
· وعلى سبيل المثال فالطبقة الغـَنيَّة في الاردن لا تشارك بتاتا في الحياة السياسية ولا اهتمام لها الا بنظام مستقر ليتسنى لها استثمار اموالها وجني الارباح والقفز بمدخراتها دون ان تـُقدم شيئا لمجتمعاتها .
· هناك فتور نسبي يسود اوساط الاحزاب التقدمية الوطنية بعد قراءتها " لقانون الاحزاب الجديد" ، رغم حقيقة واضحة ان تحجيم الاحزاب في المرحلة الحالية والتحديات السياسية متجدده ماهي الا جهود بائسه خالية من الواقعية وهدفها حماية مصالح واوضاع معينة .
- لا يمكن ان يكون النظام – اي نظام – ديمقراطياً اذا لم تكن القرارات العامة والحياة الاجتماعية المشتركة خاضعة لارادة الشعب . كما ان اشراك المواطن في الحياة السياسية يتطلب ان تلعب المناهج التربوية والتنظيمات السياسية والنقابات واذرع المجتمع المدني دوراً اساسيا في التوعية واتاحة الفرصة للممارسة الصحيحه .
· ان دور الاحزاب في قانون الانتخاب الجديد فيه خرق لحق الشعب في ممارستة لحقوقه المنصوص عليها في الدستور .
· اين اهل الفكر والعلم والمعرفة من قانون محشو بالكلمات وفارغ من المضمون ؟ قرأته مرارا وتكرارا وشعرت في الجولة الاخيرة وكأنني انتقل فجأة الى دعاة التوحيد في بحوثهم والاثني عشر فصلا لما كتبوه في التقمص والتأويل والالغاز ... الخ انه قانون لـِيطغى ! وهو بحاجةٍ الى فرزٍ دقيق لتلك الاجتهادات والآراء وارجاعها الى مسببات كتابتها واصلاح ذات البين ! .
· اين الاصلاح الذي يتحدثون عنه والذي امسى سرابا يراه الناس وبالكاد يشعرون به او يتحسسونه منذ عقود من الزمن .
· ليس هناك قبول على الاطلاق بمنح الاحزاب نسبة ضئيلة مع ازدياد عدد النواب في المقابل حتى تتناسب المعادلة حسب مخططاتهم ، وبهذا يرفعون العتب ويُسوقون المشاركة الحزبية في الداخل والخارج .
- انه من المخجل حقا ان تقبل بعض الاحزاب الوطنية بهذا الايماء او ان تساوم على رفع نسبة التمثيل الحزبي ، وهو بحد ذاته اهانة لها على كافة الاصعدة الشعبية والحزبية .
· فالاحزاب وحدها هي القادرة على توحيد البلد واثراء فعالياته وتنظيماته لا المهرجانات الوقتية والولاءات الشكلية ، وانما هو الاجماع المطلوب بثباته ووضوحه وطاقاته ، وفي كنف الديمقراطية المرجوة كلنا مع النظام الذي ارتضاه الشعب لنفسه في هذا البلد الامين .
· ولذا فعلى المواطنين الغيورين على بلدهم ، والمواكبين لركب التطور والتقدم ، والطامحين لمستقبلٍ افضل لابنائهم واحفادهم ان يلتحقوا وينضموا الى الاحزاب-كـُلٌ حسب قناعاته .
- لا يُمكن ان نخطو الى الامام والشدُّ العكسي والقوى المتنفذه والبرامكة الجدد واصحاب قصور الرؤيا والمصالح الخاصة يجروننا الى الخلف بينما نرى دولاً ناشئة في اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية وقد خطت خطوات كبيره الى الامام في هذا المضمار .
- ورغم اختلاف النظم الانتخابية وتنوعها في البلدان ذات النهج الديمقراطي ، فالاحزاب تبقى العامل المشترك . فلا تناقض اذا قلت ان البرلمان هو اطار الاحزاب ، والاحزاب هي مكونات البرلمان ، والاكثرية النيابية تشكل الحكومات البرلمانية ، والبرلمان وحده المخول باسقاط الحكومة او تزكيتها بالاستمرار .
· هكذا تـُبنى الاوطان ، وهكذا علينا ان نسير بكل ثقة وتصميم واراده نحو بناء الاردن الحديث – اردن الكرامة والعمل والانتاج – اردن القوة والعزم والتصميم – اردن التحدي والعروبة والشموخ .
· فأنـَّى لهذه الاحلام ان تتحقق ، وللحياة السياسية ان تصفو ، ولاردننا الغالي ان يزهو ويزدهر .
· وعلى قول الشاعر :
ما مِثلُهُ وطنٌ تـُلـَّوَنُ أرضـُهُ
حُسْناً كما تتلونُ الاقزاحُ
فيه الجنوب اباطحٌ ودماثةٌ
وبه الشمالُ اهاضِبٌ وطِماحُ