مِزْمَارُ الْحَيِّ لا يُطْرِبُ! (2)
بلال محمد عياصره - لندن
14-04-2012 04:58 AM
الجزْءُ الثَّاْنِي
رُبَّمَاْ غَلَبَ طَاْبِعُ التَّشَاْؤُمِ عَلَى مَقَاْلِي الْسَّاْبِقِ فِيْ جُزْئِهِ الأوَّلِ الَّذِيْ تَفَضَّلْتُمْ بِقِرَاْءَتِهِ خِلالَ الأيَّاْمِ الْقَلِيْلَةِ الْمُنْصَرِمَةِ. وَلَعَلَّيْ لا أرَاْكُمْ تَجِدُوْنَ فِيْ ذَلِكَ غَرَاْبَةً أوْ عَجَبَاً، نَظَرَاً لِلدَّرْكِ الأسْفَلِ والْحَضِيْضِ الَّذِيْ آلَتْ إلَيْهِ الْعَرَبِيَّةُ بَيْنَ أهْلِهَاْ: عَاْمَّةً وَنُخَبَاً. وَلأنَّ الْمِثَاْلَ بِالْمَقَاْلِ يَتَّضِحُ، سَأنْثُرُ بَيْنَ أيْدِيْكُمْ، كَمَاْ وَعَدتُّكُمْ، حِفْنَةً مِنَ الْمُشَاْهَدَاْتِ الَّتِيْ أعِيْشُهَاْ- كَمَاْ يَعِيْشُهَاْ كُلُّ وَاْحِدٍ مِنْ حَضَرَاْتِكُمْ، آنَاْءَ الَّليْلِ وأطْرَاْفَ النَّهَاْرِ. وَمَاْ تِلْكُمُ الْمُشَاْهَدَاْتِ الْمُخْجِلَةِ إلا فَيْضٌ مِنْ غَيْضٍ. لِذَاْ، لَنْ أُثْقِلَ كَاْهِلَكُمْ بِالْكَثِيْرِ مِنْهَاْ، فَهَاْكُمْ بَعْضَهَاْ:
الْمَشْهَدُ الأوَّلُ: زَيْدٌ (شَاْكِيَاً ضَجِرَاً): "كُلُّ الْفَايْلاتِ اللِّيْ سَيَّفْتُهُمْ عَلَى كُمْبيُوْتَرِي اتْكَنْسَالُوْا وَلِلأسَفِ انْسِيْت أفَرْوِدْهُمْ لإيْمِيْلِي أوْ أسَيِّفْهُمْ عَلَى افْلاشْ مِيْمُوْرِي...!
يُقَاْطِعُهُ عَمْرو (مُوَاْسِيَاً وَمُطَمْئِنَاً): " إتْس أوْكِيْه... حَتَّى لَوْ اتْكَنْسَاْلُوْا وفَرْمَتِتْ السُّوْفْت ويْر بِظَلُّوْا مَوْجُوْدِيْن فِي الابْ تُوْب... عَلَى الْهَاْرْد"وَ....
بِرَبِّكُمْ... اسْتَحْلِفُكُمْ بِاللهِ -جَلَّ فِيْ عُلاهِ- أيْنَ الضَّاْدُ فِيْ هَذَا الْخِوَاْرِ الْعَاْقِرِ الْعَقِيْمِ، وَالأطْرَمِ الأبْكَمِ، وَالأطْرَشِ الأخْرَسِ، وَالأكْمَهِ الأبْرَصِ؟! وَهَلْ ضَاْقَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبِيَّةُ ذَرْعَاً يَاْ أمَّةَ الضَّاْدِ؟! وَهِيَ الَّتِي تَشْدُوْ وَتَقُوْلُ:
وَسِعْتُ كِتَاْبَ اللهِ لَفْظَــاً وَغَاْيـَــةً وَمَــاْ ضِقْتُ عَــنْ آيٍ بِـــهِ وَِعِظـَـــاْتِ
فَكَيْفَ أضِيْقُ بِهِ الْيَوْمَ عَنْ وَصْـفِ آلَةٍ، وَتَنْسِيْقِ أسْــمَاْءٍ لِمُخْتَرَعَاْتِ؟!
أنَاْ الْبَحْرُ فِيْ أحْشَاْئِهِ الدُّرُّ كَاْمِنٌ فَهَلْ سَألُوْا الْغَوَّاْصَ عَنْ صَدَفَاْتِــيْ؟
انْتَهَى الْمَشْهَدُ الأوَّلُ.
الْمَشْهَدُ الثَّاْنِيْ: عَجِبْتُ كُلَّ الْعَجَبِ! الْمُتَكَلِّمُ عَرَبِيٌّ، وَالْمُخَاْطَبُ عَرَبِيٌّ، وَالْمَكَاْنُ عَرَبِيٌّ، وَالْمَوْضُوْعُ عَرَبِيٌّ. كُلُّ شَيْءٍ عَرَبِيٌّ مَاْ خَلا اللُّغَةَ، فَهِيَ غَرِيْبَةٌ غَرْبِيَّةٌ!!! وَفِيْ أحْسَنِ الأحْوَاْلِ (عَرَبِيْزِيَّةٌ!) وَهَلْ يَجْعَلُنَاْ هَذَا "الانْهِزَاْمُ اللُّغَوِيُّ" وَانْفِصَاْمُ الْهَوِيَّةِ مِنْ عَلِيَّةِ الْقَوْمِ؟! ألا نَسْتَحِيْ مِنْ أنْفُسِنَاْ سَيِّدَاْتِيْ وَسَاْدَتِيْ؟! وَهَلْ أضْحَتِ الْعَرَبِيَّةُ أدَاْةً عَاْجِزَةً أوْ عَجُوْزاً، وَهِيَ الْوَدُوْدُ الْوَلُوْدُ؟! وَهِيَ الَّتِيْ تَقُوْلُ:
سَرَتْ لُوْثَةُ الإفْرِنْـجِ فِيْهَاْ كَمَاْ سَرَى لُعَــاْبُ الأفَاْعِيْ فِيْ مَسِيْلِ فُرَاْتِ
فَجَاْءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِــــــيْنَ رُقْعَةً مُشَكَّـــلَةَ الألْـــــــوَاْنِ مُخْتَلِفَـــاْتِ
انْتَهَى الْمَشْهَدُ الثَّاْنِيْ.
الْمَشْهَدُ الثَّاْلِثُ: إذَاْ جَنَحَ أحَدُهُمْ إلِى الْفَصِيْحَةِ، فَيَاْ لِلْفَضِيْحَةِ! وَالْوَيْلُ لَهُ وَالثُّبُوْرُ! وَهَلْ غَدَتِ الْفَصِيْحَةُ "الْمَلِيْحَةُ" وَصْمَةَ عَاْرٍ لا بَصْمَةَ فَخَاْرٍ؟! وَيْحَنَا مَاْ أظْلَمَنَاْ!!! آسْتَحَيْنَاْ مِنْهَاْ وَهِيَ لِسَاْنُنُاْ؟! مَاْذَاْ دَهَاْنَاْ، وَمَاْذَاْ اعْتَرَاْنَاْ يَاْ قَوْم؟! أمَاْ سَمِعْنَاْ الْعَرَبِيَّةَ وَهِيَ تَقُوْلُ:
أرَى لِرِجَــاْلِ الْغَــرْبِ عِـــزَّاً وَمَنْــعَةً وَكَــــــمْ عَـــزَّ أقْـــوَاْمٌ بِـعِـزِّ لُغَـــاْتِ؟!
انْتَهَى الْمَشْهَدُ الثَّاْلِثُ.
الْمَشْهَدُ الرَّاْبِعُ: فِيْ مَحَاْفِلِنَاْ وَمَنَاْبِرِنَاْ (وَمَاْ أكْثَرَهَاْ!)، نُعِدُّ عُدَّةَ التَّرْجَمَةِ الْفَوْرِيَّةِ وَالتَّتَاْبُعِيَّةِ وَحَتَّى الْهَمْسِيَّة، مِنْ أجْلِ جَاْلِسٍ إفْرَنْجِيٍّ بَيْنَنَاْ أوْ اثْنَيْن أوْ أقَلِّيَّةٍ. والْعَكْسُ خَطَأ وَلَوْ كُنَّاْ أكْثَرِيَّةً!!! مَاْ لَكُمْ "عَلَى أعْقَاْبِكُمْ تَنْكِصُوْنَ". فَوَاللهِ وَبِاللهِ وَتَاللهِ "تِلْكَ إذَنْ قِسْمَةٌ ضِيْزَى". وَأيُّ جُحُوْدٍ وَأيُّ عُقُوْقٍ وَأيُّ نُكْرَاْنٍ هَذَا يَاْ بَنِي الْعَرَبِ؟!!! وَلُغَتُكُمْ تَرْجُو وَتَشْكُو، وَتُحَذِّرُ وَتُنْذِرُ:
إلِى مَعْشَرِ الْكُتَّاْبِ وَالْجَمْعُ حَاْفِــلٌ بَسَطتُّ رَجَاْئِي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاْتِي
فَإمَّاْ حَيَاْةٌ تَبْعَثُ الْمَيْتَ فِي الْبِلَى وَتُنْبِتُ فِيْ تِـلْكَ الرُّمـُـوْسِ رُفَـاْتـِي
وإمَّا مَمَــاْتٌ لا قِيَاْمـــَـــــةَ بَعْـــــدَهُ مَمَاْتٌ لَعَمْــرِي لَمْ يُقـَـسْ بِمَمَـاْتِ
انْتَهَى الْمَشْهَدُ الرَّاْبِعُ.
أمَّاْ الْمَشْهَدُ الْخَاْمِسُ، فَمُضْحِكٌ وَمُبْكٍ فِيْ آنٍ!
قَبْلَ بِضْعِ سِنِيْن، وَبَيْنَمَاْ كُنْتُ أشَاْهِدُ-عَبَثَاً- بَرْنَاْمَجَ مُسَاْبَقَاْتِ "مَلِكَاْتِ" الجَمَاْلِ عَلَى إحْدَى شَاْشَاْتِ التَّلْفَزَةِ الْعَرَبِيَّةِ، جِيْءَ "بِعَاْرِفٍ" بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى الْمَكَاْنِ بُغْيَةَ تَدْرِيْبِ الْمُرَشَّحَاْتِ عَلَى مَاْ فَصُحَ مِنْ لِسَاْنِ الضَّاْدِ عَسَى أنْ يَسْتَقِيْمَ اللِّسَاْنُ بَعْدَ أنْ مُيِّعَ وَاعْوَجَّ فِيْ هَذَا الزَّمَنِ الأهْوَجِ. وَلَمَّاْ نَطَقَتْ إحْدَاْهُنَّ بِكَلِمَةِ "سِئَة"، بَدَلاً مِنْ "ثِقَة"،أبْرَقَ ذَاْكَ "الخَبِيْرُ" وأرْعَدَ، وأرْغَى وَأزْبَدَ، وَاكْفَهَرَّ وَجْهُه، وَاقْشَعَرَّ بَدَنُهُ وارْبَدَّ، وَجُنَّ جُنُوْنُهُ وَأقَاْمَ وَأقْعَدَ... وَقَاْلَ: "ثِئَة" مِشْ "سِئَة!!!".. وأرْدَفَ: "يَلا عِيْدِيْ وَرَاْي": "ثِئَة".. "برَاْفُوْا" "أقِيْن".. ""ثِئَة" "أقِيْن".. "ثِئَة" "أقِيْن".. "ثِئَة"، وَمَاْ زَاْلَ يَرُدُّهَاْ، وَمَاْ زَاْلَتْ تُرَدِّدُهَاْ حَتَّى جَفَّ رِيْقُهُمَاْ... وَضَاْعَ الْمِسْكِيْنَاْن كِلاهُمَاْ بَيْنَ "السِّئَةِ وَالثِّئَةِ" وَتَاْهَاْ بَيْنَ الإيْطَاْلِيَّةِ وَالإنْجِلِيْزِيَّةِ وَبَقَاْيَاْ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ!
إذَاْ كَاْنَ هَذَا حَاْلُ النُّخْبَوِيِّ الْخَبِيْرِ، فَمَاْذَاْ تَأمَلُوْنَ مِنَ "الْعَبْدِ الْفَقِيْرِ"؟!
أمُـــوْرٌ يَضْحَـــكُ السُّفَهَـــاْءُ مِنْـــهَاْ وَيَبْكِـــيْ مِـــنْ عَوَاْقِبِهَـــاْ الَّلبِيْبُ!
انْتَهَى الْمَشْهَدُ الْخَاْمِسُ (وَلَيْسَ الأخِيْرُ). فَالْحَدِيْثُ يَطُوْلُ وَلِلْحِكَاْيَةِ بَقِيَّةٌ، تَاْرِكَاً حَضَرَاْتِكُمْ، عَاْمَّةً وَصَفْوَةً، أمَاْمَ تِلْكُمُ الْمَشَاْهِدِ الْمُفْزِعَةِ، والْمَصَاْئِبِ الْمُفْجِعَةِ.
وَلَوْ أسْدِلَ السِّتَاْرُ هُنَاْ إيْذَاْنَاً بِالنِّهَاْيَةِ، فَهَلْ وَصَلَتِ الرِّسَاْلَةُ؟
أمَّاْ بَعْدُ...
أرْجُو -أعِزَّاْئِي القُرَّاْء- مِنَ الْمَاْءِ إلَى الْمَاْءِ، أنْ لا أبْدُوَ ضِدَّ اللِّحَاْقِ بِرَكْبِ الأمَمِ وَمَوْكِبِ السِّيْرِ نَحْوَ الْقِمَمِ. فَأنَاْ لا أجِدُ فِيْ ذَلِكَ ضَيْرَاً، وَلا أجِدُنِي أنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرَاً. لَكِنَّنَي لا أقْبَلُ-شَأنِي شَأنُكُمْ- أنْ نَنْسَلِخَ عِنِ الْكِيَاْنِ وَالْهَوِيَّةِ، وَنَلْبسَ الْقِشْرَةَ... وَالرُّوْحُ جَاْهِلِيَّةٌ. وَلْنَبْلُغِ السِّمَاْكَ. وَلَكِنْ حَذَاْرِي حَذَاْرِي أنْ نَضِيْعَ بَيْنَ هَذَا وَذَاْكَ!
فَيَاْ مَعَاْشِرَ الْعَرَبِ... يَاْ عَاْمَّة، وَيَاْ سَاْسَة، وَيَاْ نُخَب... الْعَرَبِيَّةُ تُنَاْدِيْكُمْ أنْ بِرِّوْا بِيَاْ، فَهَلا لَبَّيْتُمُ النِّدَاْءَ؟!
* أكاديمي وباحث في مجال الترجمة والإعلام في زمن النزاع المسلح. مقيم في لندن.
polytlas91@yahoo.com