"ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" حديث نبوي (صحيح البخاري).
في الموقع الرائد للمعرفة وتنظيمها "إدارة"، برئاسة الأستاذ نسيم الصمادي، والذي يعرض خلاصات لآلاف الكتب في الإدارة والفكر الإداري بعامة، يوجد عرض لكتاب "قداسة الأعمال اليدوية" لمؤلفه ماثيو كروفورد.
ويتحدث المؤلف عن ظواهر ومشكلات ومنجزات نكاد نعرفها ونقرها جميعا في حياتنا اليومية، ولكن لا بأس من إعادة التذكير بها؛ ذلك أن معظمنا، إن لم يكن جميعنا، نعاني من ضعف خبرتنا في مواجهة مشكلات واحتياجات يومية، مثل صيانة السيارة، وحلّ مشكلات صغيرة تواجهنا إذا تعطلت لأسباب صغيرة يمكن حلّها بقدر قليل من الخبرة والتدريب، أو مشكلات متصلة بالكهرباء والسباكة والنجارة في بيوتنا تنكّد حياتنا، وتكلفنا الكثير من المال والوقت. وفي غالب الأحوال فإن الحرفيين الذين نستدعيهم لحلّ المشكلة، ويتقاضون مبالغ كبيرة، لا يكادون يعرفون شيئا، بل يدمرون الأجهزة التي ربما لم يشاهدوها من قبل في حياتهم، فضلا عن عدم معرفتهم بأبسط المهارات اليدوية. وهذا ما حدث معي شخصيا مرات عدّة، بل إن بعض مدّعي الصيانة يعاود الاتصال بك لأنه متأكد أنه لم يفعل شيئا، ويعرض عليك أن يحاول مرة أخرى، فلا تتوقف صدمتك عند الجهل المطبق والادعاء، ولكن من الجرأة غير المتخيلة على النصب والاحتيال وعدم الخجل.
عندما نعجز عن تدبير أمورنا مع ممتلكاتنا وأدواتنا، تتغير علاقاتنا معها؛ البيت والسيارة والكمبيوتر. ونعلم جميعا أن الألفة معها تمنحنا قدرا كبيرا من الاستقرار والسعادة، فنفقدها، وبعجزنا عن صيانتها نميل إلى استبدالها بأخرى، وبخاصة مع الكلفة الهائلة للصيانة وغياب الجودة.
وفي المقابل، فإن العمل اليدوي، كما يقول كروفورد، وربما نوافقه جميعا، يمنح الحياة معنى وقيمة، ويعزز الاستقلالية والفردية، ذلك أن جوهر الإنسان وسعيه الدائم إلى الارتقاء بذاته هو أن يعمل بنفسه ولنفسه! ويتمكن المستهلك والمستخدم من إدراك وتمييز قيمة السلع والمنتجات، والتمييز بينها، فيختار الأفضل والأنسب.
في الأفلام الأميركية، تدهشنا مشاهد البناء والصيانة التي يقوم بها الناس بأنفسهم، ذلك أنها مهارات يتعلمها التلاميذ في المدرسة. ولا تتوقف قيمة تلك المهارات على الجانب الاقتصادي والوفر الممكن تحقيقه، ولكنها أيضا تمتد إلى معنى الحياة والعلاقة معها، والجمال الذي يحصل عليه الإنسان وهو يأكل مما يزرع في حديقته، أو يجلس على المقعد الذي صنعه بنفسه، أو يعيش في البيت الذي بناه بنفسه، والمشاعر التي تنتاب أحدنا عندما تعمل سيارته، وعندما تعمل الأجهزة بعد توقفها.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد