فـي مفهوم (خلية الأزمة) حكومة المالكي نموذجاً!
محمد خروب
18-10-2007 03:00 AM
أطرف ما في سيل الأخبار المتدفقة من العاصمة التركية انقرة ومنطقة اقليم كردستان العراقي وبالتالي من العاصمة الموسومة بالمركزية بغداد حول الازمة المتفاقمة في شمال العراق والتي تنذر بعواقب وخيمة واحتمالات مفتوحة لانهيار كثير من المعادلات والتحالفات الاقليمية والدولية القائمة وبروز تحالفات اخرى قد تكون مفاجئة او مغايرة.. هو مسارعة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي للدعوة لاجتماع خلية أزمة لمناقشة تطورات الاوضاع على الحدود العراقية التركية.وإذ تسجل يوميات الوقائع العراقية الدامية، ان المالكي منذ ان تبوأ هذا المنصب قبل عام ونيف بعد صراع مرير داخل صفوف الائتلاف الشيعي وخصوصاً حزب الدعوة ومع رئيسه السابق ابراهيم الجعفري، لم يدع الى مثل اجتماع كهذا، يحمل طابع خلية الازمة الذي هو في معناه الاجرائي مقاربة يتم اللجوء اليها عندما تواجه البلاد ازمة خطيرة داخلية كانت ام خارجية، قد تبدأ مثلا من احتجاز رهائن او بروز تهديدات من دول الجوار بشن حرب على الدولة او تصدع ائتلاف حكومي او ما يندرج في الاطار العام لهذا المفهوم.
فان المسألة (فيما تبدو) محاولة محكومة بالفشل من قبل رئيس الحكومة العراقية المفككة، لاستثمار الازمة الراهنة بين الاكراد وتركيا لتحقيق مكاسب سياسية، وخصوصا بعد ان كان تورط في التوقيع على اتفاقية مع حكومة اردوغان تسمح لجيش الاخيرة بالتوغل داخل الاراضي العراقية (اقليم كردستان) لملاحقة متمردي حزب العمال الكردستاني التركي، الذي يشنون حرب عصابات ضد الجيش التركي تصاعدت في الفترة الاخيرة على نحو لم يعد بمقدور حكومة حزب العدالة والتنمية ان تتهرب من استحقاقاتها واكلافها البشرية والسياسية وايضا من الصمود طويلا امام ضغوط المؤسسة العسكرية التركية التي تطالب باطلاق يدها في شمال العراق رغبة منها (المؤسسة العسكرية) في استعادة بعض دورها في المشهد التركي، بعد ان تراجع كثيراً في المواجهة السلمية مع حزب العدالة والتنمية اثر فوز الاخير بموقع رئاسة الجمهورية الذي تعهد العسكر ان يبقى مقرا ورمزا للاتاتوركية منذ ان اعلن مصطفى كمال اتاتورك قيام الجمهورية العلمانية على انقاض الخلافة العثمانية في العام 1923.
نوري المالكي تعرض (بعد توقيعه على الاتفاق) الى حملة شعواء من قبل الاحزاب والفصائل الكردية العراقية المختلفة، لانه اصلا غير مخوّل بالتوقيع على اتفاق كهذا دون مشاورة حكومة الاقليم.. ولان الاخيرة ايضا على علاقة سيئة بأنقرة بعد تهديدات مسعود برزاني بدعم اكراد تركيا، اذا ما اقدمت الاخيرة على اجتياح شمال العراق (مناطق الاقليم في واقع الحال)، اضافة الى ان حزب العمال الكردستاني (التركي) لم يصمت هو الآخر وهدد المالكي شخصيا بدفع ثمن تواطئه مع انقرة، فإننا نكون امام فانتازيا سياسية يريد رئيس الوزراء العراقي الايحاء من خلالها انه يحكم ويرسم وانه يدير دولة مركزية مستقرة ومتماسكة ذات سيادة لا ينخرها الفساد والتفكك، ولا توصف حتى من قبل الولايات المتحدة بانها دولة فاشلة (بامتياز).
الدعوة لاجتماع خلية ازمة كان يمكن قبولها لو انها تمت من قبل نوري المالكي في غضون الستة عشر شهرا، التي جلس خلالها على هرم السلطة التنفيذية، وشهد خلالها العراق الكثير من المذابح والمآسي والانتهاكات الفظّة لحقوق الانسان، وانتشار رائحة الفساد على نطاق واسع افقياً وعامودياً وتفشي ظواهر القتل على الهوية الطائفية والمذهبية وتفجير المساجد والحسينيات والكنائس وعزل احياء العاصمة بغداد طائفياً بالجدران العالية، وارتفاع موجات التهجير على اسس طائفية ومذهبية، وتدخل الصف الثالث او الرابع من جنرالات الجيش الاميركي في ابسط قرارات حكومة بغداد، بل والاكثر حاجة الى عقد اجتماع خلية ازمة هو الجريمة النكراء التي ارتكبتها عصابات شركة بلاك ووتر الاميركية الخاصة لخدمات الامن، والتي لم يستطع نوري المالكي ان ينفذ قراره بسحب ترخيصها، لانه اصلا ليس صاحب قرار ولان الاهم ان الشركة التي تنهب مليارات الدولارات العراقية محمية بقرار اصدره الحاكم العسكري الاميركي بول بريمر وضعها فوق القانون العراقي.. فعن أي خلية ازمة يتحدث المالكي؟.
لا يقصد من ذلك التقليل من اهمية الخطر الذي يواجه العراق وشماله على وجه الخصوص، اذا ما مضت انقرة في استثمار قرار مجلس الامن التركي الذي صدر يوم امس بمنح الجيش التركي حرية العمل ضد متمردي حزب العمال الكردستاني التركي، وهو قرار لا نحسب ان حكومة اردوغان ستضعه موضع التنفيذ الفوري، بل هي ستوظفه نفسيا وسياسياً للضغط على اكراد اقليم كردستان وتحديدا رئيس الاقليم مسعود برزاني حيث تتحدث انباء عن اعلان حال طوارئ في مقره ونصب مضادات للطائرات، خشية استهدافه شخصيا من قبل تركيا، وايضا يريد اردوغان ان يمارس ضغطا على حكومة المالكي (رغم علمه انها ضعيفة ولا تملك من امرها قرارا) والاهم انه يريد استدراج الولايات المتحدة الاميركية الى الازمة لرفع المظلة التي توفرها لاقليم كردستان، وبخاصة ان ادارة بوش تبدو في وضع لا تحسد عليه بعد صدور قرار الكونغرس الاميركي، باعتبار ما حدث ضد الارمن ابان الدولة العثمانية بانه ابادة ومذبحة، ما يفتح الامور على عاصفة قد تعرض العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين انقرة وواشنطن الى خطر شديد لن يكون الخاسر الاكبر فيه سوى واشنطن.
kharroub@jpf.coom.jo
محمد خرّوب