·الحل الامني يبدو في بدايته سهلا الا ان الصعوبة تكمن في الخروج منه.
لا بد ان تسود القناعة بان الحل الامني في التعامل مع الناشطين لم و لا يمكن له ان يقدم حلولاً, فالحقيقة ان مثل هذه الحلول يقوم على تأسيس التأزيم و الذي تبقى آثاره مستمرة لسنوات. وللاسف من اختار هذا الحل لم يدرك انه يعقد المسائل ولا يحلها ذاك ان هذا الحل يحول السهل الى صعب و المشكلة الصغيرة الى معضلة غير قابلة للحل. فالحل الامني في بدايته يبدو سهلا الا ان الصعوبة تكمن في الخروج منه.
لن نناقش اليوم حملة الاعتقالات من باب الصواب او الخطأ. فنحن نتفق مع من يطالب بوقف ثقافة السب و لكن نختلف و بشدة مع من يعتقد ان معاقبة الدولة لابنائها الساخطون بهذا الشكل هو اساس للحل. ففي نهاية المطاف هؤلاء الشباب بغض النظر عن "خطيئتهم" هم مواطنون اردنيون شاء من شاء و ابى من ابى, و لا يمكن قبول هذه الطريقة في التعامل, ذاك انه لا يمكن للمرء أن يضام في وطنه, و هل هناك ألمٌ أكبر من شعور الانسان بالغربة في وطنه؟ اذاً هل فكر اصحاب هذه الحلول قبل تطبيق هذا الخيار بالنتائج بعيدة الأمد؟ أم انهم كانوا مسكونين بتحقيق انجاز شخصي بانهاء الحراك شكلياً لينالوا الشكر و الثناء و الترفيعات و الاعطيات؟ و هل ادركوا انهم يلطخون صورة الدولة بكل الوان العداء؟ فكيف لعلاقة بنيت على العداء أن يعاد بناءها؟ اعادة ترتيب البيت الداخلي الأردني يجب ان يرتكز على فكرة استيعاب الاختلافات و عدم خلق العداوات فتصحيح الاخطاء لا يتم بارتكاب اخطاء جديدة.
لابد لكل من دعا الى تبني مثل هذه الحلول و خصوصاً اصحاب نظرية "استعادة هيبة الدولة" ان يدرك بأن هيبة الدولة تفرض بالحكمة و استيعاب الآخر, و ان تحولت صورة الدولة من صورة الأم الحنون الى صورة زوجة الأب الحقودة فذلك يعني ان الشرخ في هذه علاقة لا يمكن اعادة بنائه و اعلان الفراق بات في حكم المؤكد. لهذا لابد من التذكير أن حكمة الدول تقاس بقدرتها على مواكبة التغيرات و التحولات و تطبيق القانون على الجميع دون استثناء.
الثمن المترتب على عدم قدرة تعامل مطبخ الازمات مع الازمة لا يجب ان يدفعه الشعب, و كثير من المطالب التي طالبت بها الحراكات هي مطالب وطنية و مشروعة, لا يجب ان تسقط و لا يمكن ان تفقد شرعيتها بالالتفاف عليها عن طريق التركيز على خطأ معين و ترك الاخطاء الكبيرة التي ارتُكبت دون معالجة. فلو وجدت الاخطاء من يصلحها على مدار السنوات الماضية لما كان هناك من حاجة للمطالبة باصلاحها, و استيعاب الدولة لهذه الحالة هو الاساس في الحل, و فشل مطبخ الدولة في تقديم الحلول المقنعة و انتهاجه مبدأ الحلول السريعة غير الجذرية سيثبت في النهاية حجم الخطأ المرتكب, فالامور لا تقاس بالاعداد التي تنزل الى الشارع او بتقدير حجم ردود الافعال الشعبية على التصرفات القمعية.
تكفي زيارة واحدة الى معظم المحافظات الأردنية لندرك حجم الفشل الذريع في استثمارعوائد التنمية, فالمحافظات الأردنية في مجملها تعاني من هذا الخلل و ان كان معاناة بعض المحافظات تزيد عن غيرها , الا اننا و منذ بداية الاحتجاجات الشعبية لم نشهد ظهور مشاريع تنموية تعمل على خرط الشباب مباشرة في العملية التنموية في محافظاتهم, بل شهدنا نفس الطرق التقليدية الكلاسيكية تحت مسمى من يستطيع انهاء الحراك او من يقدر على تهدئته و كأن المشكلة هي فقط في انهاء الحراك لا بمعالجة اسبابه. اليوم حان وقت الانقلاب على السياسات البالية, فأدوات حكم الماضي فقدت صلاحيتها في حاضرنا, و لابد من مواجهة استحقاق تغيير السياسات. و حتى نحول السلبية الى ايجابية لابد ان نؤمن بان الحراكات المختلفة عوضت الفشل في انتاج القيادات الشبابية و اظهرت ان الوطن من شماله الى جنوبه مليء بالطاقات الابداعية و الكفاءات القادرة على قيادة عملية التنمية الحقيقية. اذاً لماذا نضيع طاقات شبابنا في خلق العداء بدلا من استثمارهم في عملية الانماء.
http://amersabaileh.blogspot.com