بين اليوم والغد، سنكون في خضم ردود الفعل على قانون الانتخاب المقترح من الحكومة. وأتوقع أن الجميع بلا استثناء سينتقد الصيغة من مواقع متباينة، وأحيانا متناقضة. ولو سألت أيا منهم عن البديل الذي يقترحه، لما أعطانا الوصفة الشافية المقبولة من الجميع. أما الحركة الإسلامية، فقد بادرت سلفا إلى ردّة فعل عاصفة، ومن بين الأوصاف التي أطلقت على المشروع أنه كارثة.
ردّة فعل الإخوان تنطوي على مبالغة شديدة. فالنظام الانتخابي المقترح من الحكومة يحقق نقلة جوهرية قياسا إلى النظام الحالي؛ فالدوائر ستكون واسعة وهذا تغيير مهم جدا، وسيكون للناخب ثلاثة أصوات؛ اثنان لأفراد وواحد لقائمة، وهذا تغيير جوهري. لكن ليس هذا هو البديل الأجود من وجهة نظري، وكان لدى الحكومة البديل الأفضل بلا منازع، وهو مقترح لجنة الحوار الوطني؛ أي التمثيل النسبي بالقوائم المفتوحة في المحافظات، لكنها لم تأخذ به، وهذا مؤسف فعلا. لكنها تبقى وجهات نظر مشروعة، بما في ذلك رأي جبهة العمل الاسلامي الذي يقترح نظام 1989 لنصف المقاعد، ونظام القوائم الوطنية المغلقة للنصف الآخر.
لا تستطيع جبهة العمل أن تغضب كثيرا لعدم الأخذ بمشروعها، وهو نفس النظام الذي طبق في فلسطين في انتخابات العام 2006 وأعطى لحركة حماس 70% من المقاعد، وهو عندنا سيعطي لجبهة العمل أكثر من نصف مقاعد البرلمان. ونحن نريد نظاما يحقق تطويرا سياسيا، ويوسع قاعدة التمثيل، ويعطي كل ذي حق حقه، فما الغلط في نظام يحقق الأهداف سابقة الذكر، ويعطي لجبهة العمل إذا حصلت على 25% من الأصوات 25% من المقاعد؟!
حتى المقترح المقدم من الحكومة، إذا كان هو بالضبط ما نسمع عنه، سيكون لصالح جبهة العمل أكثر من الآخرين. فالقوائم الوطنية المغلقة ستكون لصالح جبهة العمل، لأن الأحزاب الأخرى لا تملك قواما منافسا، ولا يمكن اختصار عدد القوائم وإشراك مستقلين أقوياء، لأن الشرط هو أن تكون الأسماء مرتبة سلفا من حيث الأولوية.
أحد الحلول هو الأخذ بنظام 1989 من حيث التصويت، والأخذ بالنسبية من حيث النتائج؛ أي سيكون من حق كل قائمة تتشكل في الدائرة الحصول على مقاعد بنسبة مجموع أصوات أعضائها، وتذهب المقاعد لأصحاب أعلى الأصوات فيها. وقد سبق وأشرنا إلى أن هذا النظام المعمول به في سويسرا.
سيكون من أصعب الأشياء تحقيق رضى الجميع عن صيغة معينة، والامتحان الأصعب هو توافق مجلس النواب نفسه، وقد أصبح بموجب التعديلات الدستورية ممرا إجباريا للقانون. ومن المؤكد أن الحوار الحثيث والوافي يقود إلى تجويد الصيغة، وفي وعي الجميع أنهم محكومون إلى التوافق. ولذلك، يجب وضع آلية دقيقة للحوار الداخلي في المجلس، أوسع من إطار اللجنة القانونية التي ستنتهي عندها التوافقات. ومن الواضح أن وقت الدورة الحالية سيضيق عن إقرار القانون، ويمكن استثمار الوقت حتى الدورة الاستثنائية في حوار معمق لتحقيق التوافق.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد