مجلة «المستور» و«عين الله لاتنام» وتغطية الفقر
د.مهند مبيضين
05-04-2012 07:33 PM
الصحافة الحقيقية هي الموجودة في الأطراف وفي الميدان وفي قلب المدن، وفي هذا النوع من الصحافة، يتقدم الخبر على الرأي، لا بل يصبح من لزوميات الكتابة وفعلها البحث عن امكانية المتابعة والتعليق والتعقيب على ما تجود به أيدي الصحفيين الزملاء في اقسام المتابعات ومندوبي المحافظات.
لكن انشغالات الإعلام أحيانا تكون بما وراء السياسة والسياسيين والخدمات، أكثر من الاعتناء بامور الفقراء؛ ما يجعل المتابعة عن الإنساني فعلا كتابيا مثيرا للكثيرين، وهو غالبا ما يحدث أثرا تضمانيا مباشرا.
تولي «الدستور» هذا الجانب في تغطياتها بشكل جاد، وهناك صحفيون يتابعون الفقر وظروفه في المحافظات، وهناك زاوية تعود كل مرة بالجديد والمهم الذي يستنهض الناس دوما لفعل الخير وهي للزميل ماهر أبو طير، بعنوان «عين الله لا تنام»، وربما هناك زملاء صحفيون في أمكنة اخرى يقومون بنفس الدور، وهناك من أحدثوا أثرا في هذا السياق، وقاموا بالتأثير وإحداث تغيير في حياة الجماعات والأفراد التي تم تناولها، وقد يكون انجاز الكتابة والصحافة هنا؛ أبلغ أثرا وأكثر نفعا.
في إعلام الفقر، يجب تقدير جهد الزميل الكاتب أحمد ابو خليل المواظب في مجلته «المستور» على متابعة شؤون الفقر والفقراء، وملاحظتهم سسيولوجيا وانثربولوجيا، وقد استطاع عبر 28 عددا من المجلة الحفاظ على هدفها وعدم الانزلاق بها لشهوة الإعلان وجني الثروة، فظلت مجلة فقيرة ماليا وكبيرة برسالتها.
لا أدري لماذا تذهب الصحافة لتكون سلطة رابعة بالمعنى المنافح للسلطات الأخرى في السياسي فقط، ولماذا الإصرار على أن الكتابة (الإعلام) هو تابع لتلك السلطات بمعنى أنه حاول انتزاع المكانة والحضور، فالواقع يثبت أن الاهتمام بخبر سياسي مهما بلغت قيمته لا يحرك أثرا عند الناس كما تحرك مقالة عن معوز أو فقير.
هذه الاستجابة تؤكد ان ثمة مسافة بين ما ينتظره القارئ من صحيفة ما، وبين ما يتوهمه البعض من أن القارئ بانتظاره، وهذا كله يعني أن على الإعلام إعادة ترتيب الأولويات ويجب التخطيط لواجبات مكثفة من التحقيقات والمتابعات المتعلقة بحياة الناس والتي تنفذ للتفاصيل، لكي يتحقق الهدف الأسمى وهو إسماع صوت المواطن الحقيقي وليس الاكتفاء بمطاردة النخبة وأهل السياسة.
الكتابة عن الناس ومساتيرهم والغلابى، تبدو دوما ممتعة، ومؤثرة، تنطوي على اهداف واضحة، وتتميز بطابعها المباشر والبسيط، والبعيد عن التلوينات السياسية، واصدار الأحكام؛ وهذا ما يجعلها ناقلا لواقع الناس، دون محمول سياسي أو غاية مصلحية، لذلك تكتسب صدقيتها من وقع تأثيرها على الناس وتفاعلهم معها.
تنجح الكتابة في الحالات الإنسانية أكثر من أي مجال آخر، يظل للنخبة اقتسام الآراء السياسية، والتفاعل مع الكتاب واقامة الوشائج المصلحية معهم، ويظل للفقر والعوز والغلابي صورة أخرى، فالفقر لا صاحب له إلا من يدرك وقعه على النفس، ومن يعي أهمية رفع الظلم عن الناس، ويجعل من الإعلام وسيلة حقيقة للنطق عن المرء الساكت والإنسان المنكوب والمعوز.
لا ينتظر الفقراء والمهمشون الإعلام، لكن الإعلام إذا ما أتى خالصا لمهنتة ومنتميا لها، فإنه يحقق للمهمشين تأثيرا وتغييرا أبلغ من كل ما تحدثه جولات الوزارء والرسميين على الناس، والتي باتت فاقدة للطعم والمعنى وساذجة بما لا يدع مجالا للتفاؤل بها.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور