د.نبيل الشريف
تتنازع المنطقة الآن صيغتان للعمل السياسي ، تقوم أولاهما على الشراكة بين المكونات السياسية المختلفة للمجتمع ، بينما تستند الصيغة الأخرى على مبدأ الإقصاء والإستئثار بالسلطة لصالح حزب واحد .
وتمثل تونس الثورة نموذجا ناجحا للصيغة الأولى ، فرغم أن حزب النهضة ذي الخلفية الإسلامية فاز بأغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي الذي سيضع دستور الجمهورية الثانية ويتولى التشريع لحين إجراء إنتخابات عامة ، إلإ أنه أصر ومنذ الحظة الأولى لإعلان نتائج الإنتخابات على العمل بمبدأ الشراكة مع الأحزاب والكتل السياسية الأخرى .
ورغم صعوبة المسار ووعورة الطريق ، إلإ أن الحكم في تونس الآن موزع بين حزب النهضة الذي إستلم مقاليد السلطة التنفيذية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يترأس ممثله البرلمان وحزب العمل من أجل الحريات الذي يمثلة المفكر العربي المعروف المنصف المرزوقي في رئاسة الجمهورية .
وكانت مصر الثورة مرشحة أيضا للسير على نفس طريق الشراكة السياسية التي إختطتها تونس . وساد الإعتقاد أن جماعة الإخوان المسلمين الي سيطرت على مجلسي الشعب والشورى ستكتفي بهذا القدر وستتيح للأحزاب والقوى الأخرى مشاركتها في تحمل مسؤوليات هذه اللحظة التاريخية . ولم يكن هذا الإعتقاد وليد تكهنات وتحليلات سياسية فقط ، ولكنه جاء نتيجة وعود قطعتها الجماعة على نفسها بألاتقدم مرشحا لإنتخابات الرئاسة التي ستجرى في آيار القادم .
ولكن المراقبين السياسيين فوجئوا بقرارات متسرعة من جماعة الإخوان المسلمين أعلنت بموجبها ترشيح نائب المرشد خيرت الشاطر لإنتخابات الرئاسة ، بعد أن سيطرت بشكل شبه كامل على معظم مقاعد الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور .
وقد أدخلت هذه القرارات غير المتروية مصر في حالة جديدة من الإرتباك وأثرت سلبا على شعبية الجماعة ودفعت عددا من قيادات الإخوان وشباب الحركة إلى مغادرتها وتوجيه النقد لها بشكل غير مسبوق . ويبدو أن الحركة – ومصر كلها – سيدفعان ثمنا باهظا لذلك .
نحن إذا ، في هذه اللحظة الفارقة من التاريخ العربي، أمام صيغتين مختلفتين بل متعارضتين للحكم فإما الشراكة التي تقوم على تعاون الجميع وتكاتفهم لما فيه مصلحة البلاد والعباد وبالتالي تجنيب الأوطان كل أشكال القلاقل والفتن ، وإما " المغالبة " وبسط السيطرة من طرف واحد على الأطراف الأخرى بما يعنيه ذلك من جر البلاد إلى صراعات مفتوحة على كل الإحتمالات وتهديد إستقرار الأوطان وتعريضها لكل الأخطار.
وإذا كان الهدف الأسمى لحركات التغيير التي تجتاح العالم العربي هو إنهاء سيطرة الرأي الواحد والحزب الواحد ، فهل يعقل أن يستبدل الناس النهج الإقصائي الفردي الفاشل في الحكم بنهج آخر مشابه مع إختلاف المسميات ؟
إن العاقل من إتعظ بغيره ، وهذان النموذجان المطروحان في العالم العربي الآن بكل دروسهما الظاهرة والمستترة متاحان للجميع فمن سلك طريق الشراكة نجا بنفسه ووطنه ومن وقع تحت إغراء السيطرة المطلقة وضع نفسه وبلده في مهب الريح .. فهل ثمة من يراقب المشهد ويستوعب دروسه ؟؟