بوتين فـي طهران .. رسائل فـي أكثـر من اتجاه!
محمد خروب
17-10-2007 03:00 AM
ليست زيارة رسمية بالمعنى المتعارف عليه دبلوماسياً، تلك التي يقوم بها حالياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للجمهورية الإسلامية الإيرانية.. لكن يمكن اعتبارها كذلك، بل هي اقرب الى زيارة دولة إذا ما اخذت في سياقاتها وظروفها السياسية والدولية العاصفة، رغم انها مجرد لقاء قمة يجمع الدول المشاطئة لبحر قزوين.. وهي روسيا، إيران، كازاخستان، اذربيجان وتركمانستان.زيارة بوتين لطهران تكتسب أهمية اضافية، في ظل التسريبات المفتعلة والمبرمجة والمنخرط فيها أكثر من جهاز استخباري دولي واقليمي، عن هجوم انتحاري يستهدف حياة الرئيس الروسي، الأمر الذي اثار ضجة اعلامية وفتح جدلاً وسجالات عديدة رمت كلها الى محاولة التأثير على خطط الزعيم الروسي للمشاركة في القمة الخماسية التي لا تثير اهتماماً يذكر، إذا لم يشارك فيها بوتين شخصياً، رغم الأهمية الكبرى التي ينطوي عليها جدول أعمالها وبخاصة في ظل الاطماع الاميركية بثروات بحر قزوين الضخمة والعديدة والتي تقف موسكو وطهران تحديداً في وجه المحاولات الأميركية لاختراق صف الدول الخمس حيث تسعيان (روسيا وإيران) إلى الزام الدول المتشاطئة بعدم السماح لأي دولة خارجية بالتمتع بأي حقوق سيادية على البحر وثرواته، باستثناء الدول الخمس ولا تخفيان (روسيا وإيران) رغبتهما في توقيع الدول الخمس على اتفاقيات تحول دون أي وجود عسكري في المنطقة، والرسالة موجهة بوضوح إلى الولايات المتحدة على وجه التحديد.
بوتين في طهران إذاً، لا يذهب للسياحة او تزجية للوقت وجدول اعمال الرجل مزدحم بشكل لافت، سواء مع اقتراب موعد انتخابات مجلس الدوما (النواب) حيث أعلن انه سيرأس لائحة حزب روسيا الموحدة، ما يعني انه قد يصبح رئيساً لوزراء روسيا بعد أن يترك الكرملين عند انتهاء ولايته الثانية (والأخيرة) في آذار المقبل، كذلك في ترتيب بيته الداخلي بمعنى تحديد الفريق الجديد الذي سيحكم روسيا بعد أن ينزل بوتين عن قمة الهرم السلطوي (كرئيس للبلاد) واختيار البرامج والسيناريوهات الكفيلة بابقاء الخيوط كاملة في يده، مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية التي قد تحمل مفاجأة غير منتظرة بفوز مرشح المعارضة (الاسم الوحيد المطروح في بورصة المعارضة حتى الان هو بطل لعبة الشطرنج غاري كاسباروف) ما يستدعي ابداء المزيد من الحذر في اختيار الرئيس الجديد الذي يريده بوتين مهذب، كفؤ، وعصري وفق تعبيره.
والرئيس الروسي يستعد لفتح جبهة جديدة، مع الولايات المتحدة الأميركية بعد الفشل المدوي للمباحثات التي اجرتها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس في موسكو مؤخراً، حول نشر الدرع الصاروخية الاميركية في اوروبا، ما أثار مخاوف جديّة من عودة حقيقية إلى شكل ما من اشكال الحرب الباردة، وخصوصاً أن واشنطن ردت بسرعة على الرفض الروسي للمقترحات الأميركية حول منظومة الدرع الصاروخية، بأحد أكثر الأساليب الأميركية المعروفة خلال الحرب الباردة بتشغيل اسطوانتها المشروخة حول حقوق الإنسان، حيث قامت رايس على الفور ومباشرة بعد انهيار مباحثاتها مع نظيرها الروسي لافروف، بعقد لقاء مع ناشطي منظمات حقوق الانسان في روسيا بعد أن قالت فيما يشبه التحدي انه يتعين على واشنطن البدء بتنفيذ مشروعها (الدرع الصاروخية) الان.
الهوة إذن آخذة في الاتساع بين واشنطن وموسكو، وإذا ما نفذت الاخيرة تهديداتها التي جاءت من خلال تلميح للرئيس الروسي بوتين باحتمال انسحاب بلاده من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، في حال لم تراجع بنودها ومنحها صفة اكثر شمولاً بانضمام بلدان جديدة إليها، فإننا نكون أمام سباق تسلح جديد سيفضي الى حرب باردة، ستكون دوافعها هذه المرة غير قائمة على الايديولوجيا والصراع التقليدي بين الاشتراكية والرأسمالية بعد ان ربحت الاخيرة المعركة ولو في شكل غير كامل ونهائي.. وبخاصة ان الحديث يدور الان عن انسحاب روسي ثان من معاهدة دولية (الأولى كان انسحاب موسكو من معاهدة الاسلحة التقليدية في اوروبا) وهو ما قد يدفع اوروبا الى التدخل وسيطاً او طارحاً لمقاربة تجسر على الموقفين الآخذين في الافتراق والتباعد.
عودة الى ايران؟.
رسالة بوتين في اصراره على الذهاب إلى طهران، تحمل مضامين عديدة ليس اقلها ما كان قاله: من ان لا مؤشرات لدى موسكو بأن ايران موشكة على انتاج قنبلة نووية، وإذا ما ربطنا ذلك بما قاله الناطق باسم الخارجية الايرانية حول أنباء مفرحة حول مفاعل بوشهر النووي الذي تقيمه روسيا في ايران، فإننا أمام تحد روسي آخر لاستراتيجية واشنطن في المنطقة والتي لا يمكن اسقاط خيار شن حرب اميركية (بمشاركة فرنسية وبريطانية واسرائيلية ربما)، ما يؤشر الى ان الزيارة لم تكن لمجرد اللقاء بأحمدي نجاد ورؤساء ثلاث دول تشترك موسكو معها في رابطة الدولة المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق).
زيارة بوتين تضيف اكثر من نقطة ايجابية لصالح الدبلوماسية الروسية النشطة والفاعلة والذاهبة باتجاه تحدي اصرار ادارة بوش على تحجيم روسيا ومحاصرتها، دون ان يعني ذلك ان موسكو تريد الذهاب إلى حد المغامرة بتوفير مظلة عسكرية لايران، في حال قررت واشنطن شن حرب عليها، لكنها (روسيا) ستعارضها ولن توفر الشرعية لها ما يعمق من مأزق الدبلوماسية الاميركية في تلك المنطقة من العالم.
kharroub@jpf.coom.jo