دعوني أوضح أمراً أو ربما أمرين; أنا أؤمن بأهمية الانتخابات, على أن تكون حرة ونزيهة, لتوسيع قاعدة المشاركة في القرار حتى لا تستثنى مصالح فئات عريضة ولمنع حكم وتَحَكم فئة قليلة في مستقبل الشعوب.
لا يعني ذلك أنني أعيش في عالم الأحلام والأوهام. بل أعيش في عالمنا الحقيقي حيث تصاغ القوانين والنظم الانتخابية لضمان استمرار هيمنة فئات متنفذة على مفاتيح صنع القرار والسياسات, لكنها أيضاً تأخذ بالاعتبار الحد الأدنى من التوافق المجتمعي الذي تضمنه المؤسسات التشريعية والقضائية والمنظمات المهنية والعمالية والحقوقية.
وعندما يختل هذا التوافق المجتمعي تصبح الخيارات محدودة أمام الحكومات , إما التغيير أو المغادرة. لكن أغلب الحكومات , حتى في الدول التي تدعي الديمقراطية, حقيقةً أو زوراً , تلجأ إلى قمع وزج المعارضين والمعترضين في السجون والمعتقلات.
يحدث هذا في مجتمعات متفاوتة الحرية, فتطالعنا صور استعمال رذاذ الفلفل الحار ضد المعتصمين في أمريكا إلى فض الاعتصامات بالقوة عندنا.
طبعاً الفروق كبيرة بين مجتمعات مؤسسية ومجتمعات أسست على الانفراد والتفرد في السلطة.
لكن قاعدة العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي واحدة ولم ولن تتغير- الحقوق تُنتَزَع ولا تعطى.
أتحدث هنا, كغيري في الأردن , عن حراك شعبي سلمي , قد نتفق مع بعض شعاراته ونرفض بعضها يصبو إلى التغيير نحو مجتمع الحرية والتعددية.
وأتحدث عن تعامل رسمي لم ينجح في بدء "اشتباك آراء سلمي " مع هذا الحراك ويحاول فرض نظام انتخابي يهدد تقويض تمثيل واسع لقوى جديدة وفئات عديدة متفرقة ومُفَرَقة , تفتقد إلى التنظيم وبالتالي قد لا تجد نفسها في برلمان مُنتَخب إذا استمر إصرار الحكومة على رؤية, قد ترضي المجموعة الأكثر تنظيماً, طمعاً في تهدئتها متناسية الأغلبية غير المنظمة وغير الموحدة.
لا نطالب بنظام انتخابي يهمش الأخوان المسلمين, ففي هذا مطلب إقصائي لا يحترم قاعدة التنظيم الواسعة. لكن يحق للكثيرين المطالبة بنظام انتخابي يتيح انتخابا برلمانيا أوسع تمثيلاً ويعكس حالة التنوع الثقافي والسياسي في المجتمع الأردني.
مفهوم أن يحاول أي نظام حكم أن يحاول التفاهم , أو على الأقل عدم استعداء الكتلة الأكثر تنظيماً, لكن لا توجد حكمة في تهميش وإقصاء الاتجاهات الأخرى.
لا يستطيع أي حكم في العالم أن يفرض معادلة تهمش فئات واسعة إلا عن طريق "تفصيل " النظم الانتخابية , لإنجاح حساباته السياسية أو اللجوء إلى خنق المعارضة والقمع واللجوء إلى قوانين تكرس انتهاكات حقوق الإنسان وحرية وكرامة المواطن.
قد تنفع هذه الوسائل, إذا قبل صناع القرار بالظلم سبيلاً, لكن قلما تنجح في ظروف تردي الأوضاع المعيشية, لأن وصفة غياب الحريات, تعتمد على الخوف وشيء, أو كثير, من الرخاء الاقتصادي.
يجب التشديد هنا أن منطلقنا لمعارضة نظام الصوت الواحد, الذي هدف فيما هدف , تقليص تمثيل كتلة الإخوان المسلمين في مجلس النواب, هنا نفس منطلق معارضتنا, لما يرشح عن نظام انتخابي يغلب حكم الأكثرية المنظمة, بدلاً من نظام التمثيل النسبي الذي يفتح الباب لمشاركة الأغلبية غير المنتظمة.
أما ما يحدث اليوم فينبئ بتقليص الحريات ووأد التعددية, فالقوانين التي تسمح بزج النشطاء في السجون, تُفقدُ الانتخابات شرط الحرية, بينما فرض نظام انتخابي ينتقص من التمثيل ينزع منها ديمقراطيتها- فلن يبقى منه إلا عناوين زائفة مُقَنَعة وغير مُقنِعة.
العرب اليوم