الأسبوع الماضي أحييت (ساعة الأرض) بشاعرية شفيفة، فهربت من أضواء المدينة وضوضائها، عبر طريق بعيدة، واستشرفت أفقاً واسعاً من السماء المكتنزة ببعض الغيم، ثم تركت الحبل على غارب أحلامي وأمنياتي، فرأيت أمنا الأرض تسترجع طيبتها الأولى و سلامتها وبركتها. رأيتها لا تعاني من تهتكات في طبقة الأوزون التي تحمينا، ورأيتها لا تسير نحو انزياحات مناخية خطيرة، رأيتها نظيفة من كل الملوثات: رأيتها ناصعة البراءة!.
ومن المفترض أن مدينة عمان، كغالبية مدن العالم، احتفلت بساعة الأرض بطريقة عملية، من خلال إطفاء الأنوار غير الضرورية، في جميع مبانيها وفنادقها ودوائرها الحكومية والأهلية، لمدة ساعة كاملة، بهدف رفع مستوى الوعي البيئي، وتوفير الطاقة، وتخفيف انبعاثات غاز الكربون، انسجاماً مع توجهات صندوق الحياة البرية العالمي، للعمل على إبراز مخاطر التغيير المناخي والاحتباس الحراري، والاهتمام بترشيد استهلاك الطاقة، بمشاركة أكثر من خمسة وسبعين مدينة على مستوى العالم!.
هذه الساعة المظلمة، أو شبه المظلمة، ربما جاءت شعوراً من الإنسان بأنه (خرّب) الأرض، وعاث فساداً بمناخها، ولوثها بآلته الصناعية، وجار على كائناتها فآلت بعضها للانقراض. هذه الساعة الاحتفالية أرادت أن تهمز ضمير الإنسانية، وتقول للعالم بأن عليهم أن يفكروا أكثر بأمهم الأرض، وأن عليهم أن يحموا الحياة عليها ويتعاضدوا لأجل ذلك.
فهل تكفي ساعة واحدة من الظلمة؛ كي تعيد النور لصواب الإنسان، فتخفف من كمية غاز الكربون المنفوث في الأجواء والذي يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ويهدد مناخ الأرض، بارتفاع حراري لا يطاق مما يهدد عش الحياة؟!. هل يكفي للواحد منا أن يطفئ مصباح بيته أو جهاز حاسوبه لساعة وحيدة، فيما دول كبيرة، ما زالت تشعل حروبها ومصانعها بطريقة جنونية.
الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك أكثر من ثلث ما يستهلكه العالم من النفط، وهي بذلك تنفث أكثر من ثلث مما يخلفه العالم من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومع هذا لم تدخل اتفاقية كيوتو الشهيرة، من أجل المحافظة على مناخ كرة الأرض. فأمريكيا وأخواتها ومثيلاتها المشتركون بشراهة الاستهلاك وغلوائه لا يخنقون الأرض بكربون منفوث بالأجواء، بل إنهم شيئاً فشيئاً يركلون كرة الأرض نحو الهاوية!.
في خلوتي مع ساعة الأرض غمرني سؤال صغير: هل ستعمر الأرض يوماً ما بكربون الظلم المنفوث من نفوس المقموعين والمحترقين بنيران الجور والاحتلال والغيظ وبطش الدكتاتور والتعب وشرور الفقر؟!. هذا سؤال لن تجيب عنه ساعة الأرض المظلمة بحال من الأحوال!.
الدستور