مع الانتهاء من قانوني الاحزاب والانتخابات النيابية يأتي نظام تمويل الاحزاب السياسية كواحد من ضمن عناصر البيئة القانونية والتشريعية والسياسية الناظمة للحياة السياسية والمشاركة العامة والمؤثرة فيها. لا بل يمكن القول ان نظام تمويل الاحزاب له تأثير اساسي ومباشر على الاحزاب اكثر من قانون الاحزاب ذاته، وذلك لمرونته بالمقارنة مع القانون، وقدرته على التأثير في اتجاهات الحياة الحزبية.
واذا ما عدنا الى نظام تمويل الاحزاب الحالي يمكن القول انه شكل مكافأة للاحزاب الصغيرة وعامل محوري من عوامل بقائها، وبذلك يكون قد ساعد على توفير بيئة خصبة لوجود احزاب صغيرة متشابهة في الاهداف والمنطلقات، واسهم في ابقاء التعددية الحزبية في حالة شلل تام، وذلك عندما ساوى النظام بين الاحزاب في قيمة الدعم السنوي وعندما غابت المعايير الموجهة في نظام التمويل، واذا ما ربطنا بين نظام التمويل الحالي للاحزاب وتخفيض عدد المؤسسين للحزب في القانون الجديد فان حالة غريبة من الانتشار الكبير للاحزاب الصغيرة ستملأ المشهد والحياة الحزبية والسياسية، وبوادرها الان بدأت تلوح في الافق.
نظام تمويل الاحزاب اساسي في إعادة صياغة ورسم خارطة الأحزاب والقوى السياسية، فاذا كنا بهدف تصويب الخلل في ميزان القوى السياسية وانعدام فاعليتها، وتوفير البيئة الأنسب لقيام أحزاب سياسية كبيرة، عندها لا بدا من ربط تمويل الاحزاب السياسية بعدد من المعايير العامة والفرعية التي تسهم بتحقيق هذا الهدف الرئيسي. وفي هذا الاتجاه يمكن اقتراح وضع حد أدنى لعدد اعضاء الحزب المسددين لاشتراكاتهم كان يكون الف عضو حتى يمكن لأي حزب ان يدخل للاستفادة من نظام تمويل الاحزاب ( عتبة الدخول للاستفادة من نظام التمويل )، أي انه يمكن لاي حزب ان يرخص بأي عدد من المؤسسين لكنه لا يستطيع ان يستفيد من نظام تمويل الاحزاب الا بعد ان يتجاوز عدد الاعضاء المسددين لاشتراكاتهم الف عضو. وبعد ذلك تحدد قيمة الدعم لكل حزب وفق تحقيقه لعدد من المعايير التي يحددها نظام التمويل( أي قيمة الدعم ليست واحدة لكل الاحزاب)، التي لا بد وان توفر دافع لعملية اندماج الاحزاب الصغيرة في أئتلافات للوصول الى عتبة الدعم المالي. وهذه المعايير يمكن التحكم في اتجاهاتها مثل عدد فروع الحزب في محافظات المملكة وتوفر نظام ديمقراطي داخلي في الحزب عند اتخاذ القرارات وتحديد القيادات ، وعدد اعضاء الحزب في البرلمان ومقدار التنوع الفكري والايدلوجي والديمغرافي والشرائح العمرية في قاعدة الحزب، والبرامج التنموية المباشرة التي يطرحها او ينفذها الحزب.
اشكالية الحياة السياسية والعملية الديمقراطية انها تفتقر الى وجود توازن نسبي في التعددية الحزبية وانها لا تقوم على أساس وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب سياسية تتقاسم قوى متقاربة نسبيا بغض النظر عن العدد الكلي للاحزاب وانها تفتقر ايضا الى وجود حالة من الحياة التنافسية السياسية الحقيقية. هذا الواقع سيستمر في كونه مربك وضاغط بقوه على النظام السياسي، وهو لم يأت بالصدفة وانما هناك مجموعة محددة من العوامل الموضوعية المعروفة وفي مقدمتها القوانين والانظمة الناظمة للحياة السياسية والمشاركة العامة التي تأتي من ضمنها نظام تمويل الاحزاب السياسية.
الرأي