قال الشاعر الفلسطيني محمد القيسي: أمامنا جبل، وقد نرى يافا"، وبالطبع، فقد رحل عن الدنيا قبل أن يرى يافا لأنّ الجبل ما زال موجوداً، وللأسف فالكبار الذين يعرفون تفاصيل حياة عروس فلسطين يرحلون عنّا يوماً بعد يوم، ولكنّ الكثير منهم تركوا ذكرياتهم في ضمائر أبنائهم، وأحفادهم، ومنهم من كتب توثيقاً صار مرجعاً مهمّاً.
وتصلني، بين شهر وآخر، إهداءات كُتب ودراسات عن المدينة الفلسطينية الجامعة، فأفرح بها لأنّها تعني بقاءها في الذاكرة، ويصلني مؤخراً شريطا فيديو يستعرض الأوّل منهما يافا الحالية، المدمّرة، وحياة أهلها المحافظين على بقائهم فيها رغم كلّ الظروف، ويتحدّث الثاني عن "حكاية مكان: يافا"، وفي الشريطين ما يشحن الوجدان بعاطفة لا تنضب، ويخصّب العقل بمعلومات قيّمة.
كانوا يقولون، قبل النكبة: يُطبع الكتاب العربي في مصر ويُنشر في بيروت ويُقرأ في يافا، تقديراً للحياة الثقافية الحيّة فيها، وقيل إنّ إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني حين زار يافا في العام ألف وثمانمئة وثمانية وتسعين سُحر من الرائحة العابقة بغرفته، فسأل مضيفه عن سرّها، ففتح هذا باب النافذة لتحتلّ المكان رائحة زهر البرتقال!
كلّ المدن والقُرى الفلسطينية غالية علينا، ولكنّ يافا تحتلّ مكانة خاصّة عند الفلسطينيين باعتبارها كانت أكبرها، ولأنّها كانت بلد الغريب فيكفي أن يُهاجر إليها أيّ شخص ليصبح في أيام يافاوي، وهذا ما يُفسّر وجود تمثيل لأغلب عائلات فلسطين في يافا، ويبقى أنّ وراء عمليات التوثيق أشخاصاً يستأهلون الشكر ومنهم ميشيل الصايغ وخميس الحداد وغيرهم الكثيرون، ويبقى أيضاً أنّ لدى كلّ يافاوي قناعة بالعودة إن لم يكن بجسده فسيكون بجسد ابنه أو حفيده.
الدستور