نقدتها خمسين دينارا ثمن مجموعة من الكتب ووقفت بانتظار أن تعيد لي ثلاثة قروش متبقية، لكنها اقفلت صندوق النقود بثقة وانشغلت سريعاً بمحاسبة الزبون التالي في الدور. أغاظتني الثلاثة قروش، وبرغم ضآلتها لكني شعرت أنها سرقت مني ثلاثين ديناراً، فالقروش الثلاثة وإن بدت لا تساوي شيئاً إلا أنها من حقي أنا وليست من حق البائع ليقرر الاحتفاظ القسري بها.
المشهد ذاته تكرر في اليوم مرتين، فمساء كنت اشتري لوازم منزلية من أحد محال السوبر ماركت الكبيرة، أعطاني البائع فاتورة مشترياتي وأغلق الصندوق دون أن يرجع بقية المبلغ: «قرشان».
ليس من حق البائع أن يتجاهل قرشاً واحداً.. والحقيقة أن هذه سرقة بالتخجيل، ولو دققت في الفاتورة الصادرة تراها تؤكد بأن المبلغ المطلوب تسعة عشر دينارا وثمانية وتسعون قرشا والمبلغ المستلم من الزبون عشرون دينارا والمبلغ الذي تمت إعادته للزبون قرشان، تم «لطشهما»!.
لم أطالب البائعة في الصباح ولا البائع في المساء بإعادة القروش المنهوبة، ففي وعينا أنها لا تساوي شيئاً، وهي ظاهرة تتكرر يوميا مع الناس دون أن يعني البائع أن الزبون صاحب الحق في الاستغناء عن ماله مهما بدا الفارق قليلاً، ووحده الزبون الذي يقرر إن كان يرغب بالتنازل عن بضعة قروش أو الإبقاء عليها. لكن المستهلك عادة يخجل من المطالبة ، وكأنه اعتاد الاستهانة بالعملة المعدنية ، مع أن العملة المعدنية تحصد لصالح البائع مبلغاً ضخماً إثر أسلوب التغاضي عن الفروق، وهي سياسة مقصودة يتم اتباعها مع المشتري.. قرش يتبعه قرشان أو ثلاثة ثم خمسة قروش ..ولك أن تتصور مئات الدنانير في اليوم الواحد بأسلوب الاستغفال ذاته.
أسلوب آخر يعمد فيه البائع لوضع حبات من العلكة أمام الصندوق ويوهمك أنه لا تتوفر لديه فراطة وعليك أخذ حبة علكة أو سلعة خفيفة رديئة الجودة بدلاً من ذلك، كتعويض إجباري.
المشكلة ليست في الباقي أو في العلكة، المشكلة فينا نحن ، فالزبون في هذه الحالة لا يناقش ولا يطالب ، بل إن كثيرا من المشترين يخجلون من المطالبة بعدة قروش، ويحملون نظرة استنكار واستهجان لمن يطالب بها ويرون ذلك عيباً لأنها بنظرهم مجرد قطع نحاسية مجردة الأهمية، لكننا تساهلنا بالفروق الكسرية وشجعنا البائع على ابتلاعها حتى ترسخ النهج كسياسة شرائية من أساسيات التعامل النقدي في الأسواق دون أن نعي حجم تأثير هذه القروش القليلة في سياسات التسعير .
لماذا نتحرج من استعادة قرش أو خمسة قروش إذا كان البائع نفسه لا يتحرج من استغفالنا!.
الرأي