لا شك أن الأزمة التي نمر بها معقدة في أبعادها الاجتماعية, السياسية والاقتصادية.
ولكن هناك صورة إنسانية أكثر تعقيداً لكنها واضحة في بساطة حقيقتها : في الأردن من شماله إلى جنوبه , في مدنه وقراه ومخيماته, شباب تقطنهم الأحلام و تصدمهم يقظة واقع الخوف من فقدان المستقبل.
كم من الصعب أن يجيء الصباح وتكتشف أنك محظور عليك الحلم, لأن ما فائدة الحلم من دون الأمل?
الكثيرون لا يرون في شباب التظاهرات سوى صورة الغضب الذي قد يتفجر حقداً ودمارا, ولا يسمعون منهم إلا ضجيجاً مهَدِداً في كلماته وصياحه.
لا ألومهم على الخشية من ما يحمله الغضب والصراخ من تبعات انهيار استقرار لطالما ألفناه وتمسكنا بثوبه,من دون الالتفات كثيراً أو قليلاً إلى تضاؤل الحلم وانكماش الأمل في عيون شباب يأبون أن تفوتهم الحياة, وتعاظم الحزن في قلوب آباء وأمهات ينظرون إلى المستقبل ويرون فراغاً.
لكن ألومهم, بل ألوم معظمنا, على تجاهل الألم في وجوه الشباب من اختناق بحبال الظلم وقيود الحرمان حتى من بريق شعاع ينبئ بحاضر وغد أفضل.
ألومنا, لأن الكثيرين منا, لم يروا في هؤلاء الشباب أولادنا, كأنه يحق لمجموعة منا الفرح و الاحتفاء والاحتفال بنجاحات أولادها فيما نسلب, بعمياء بصرنا وقلوبنا, حق الفرح من قلوب من لم يشملها "حظ" اقتسام نعمة أوطاننا.
تحضرني, وتزعجني, المقولة الرائجة في الغرب, أن "الحياة ليست عادلة", تقال وتردد كأن التعس والظلم قدر يجب أن يستسلم له كل من ليست لديه القوة لأخذ حقوقه والحفاظ عليها.
تحضرني, وتزعجني, لأنها تتردد بصمت في حكم الكثيرين منا.
نستسيغ ترديدها , من دون وعي ومشاعر أحياناً, وكأننا بفلاسفة , وما نحن إلا متسلحين , بحجة وضعها الأقوياء لتبرير تعسفهم, ويعيدها الكثير منا لتبرير الضعف والتهرب من مسؤولية إنسانيتنا وضميرنا.
يسأل البعض مراراً وهل نحن نختلف عن بقية الشعوب, فغياب العدالة وتفشي الضيم سمات مشتركة وان اختلفت التضاريس واللغات والأعراق.
لكن هنا بيت القصيد, أننا لا نختلف أبداً.
فالمشردون يجوبون أحياء منهاتن في نيويورك والجوعى يزدادون نحولاً في شوارع كلكتا الهندية, والسجون من استراليا الى الغابون ومالي مملوءة بالأشقياء الذين لا مُدافع عن حقوقهم.
ولأننا جميعا نتشابه, فأن الفقير والمشجون لا يجدان إلا صوتهما وصراخهما ليقضا مضاجعنا عندما يجرؤا أن يحلما. فآهاتهما تتلاشى في أجواء انشغالنا وعوالمنا المعزولة بأسوار آمان زائف.
لكننا لا نسمع ولا نلتفت إلا إذا اقتربت الأصوات من ثقب فقاعاتنا الفردية, والجماعية منها, فنخاف ونبني حواجز جديدة , وعندما نكتشف أنها غير عازلة للصراخ نلجأ إلى البحث عن سبل وأدوات لإسكات الضجيج الصام لآذاننا وعزل أصحابه.
لدى الأقوياء أساليب عديدة, وان كانت في غالبها مكررة وتفتقد خيال الابتكار, وقد تنجح في إسكات الأصوات لكنها لا تستطيع إخماد صداها في قلوب وعقول امتلأت بها.
فالعوز والظلم إذا انتشروا , فلن يفيد فرض الصمت في شيء. لأننا ننسى وأننا حتى لو احتمينا في فقاعاتنا لأن الأرض قادرة على الاهتزاز من تحتنا.
فلنسمع ألتّوق إلى الأمل خلف الصراخ , لأننا إذا حجزنا عليه حريته يصبح هديراً جارفاً.
أطلقوا حرية الحلم ولا تقتلوا الأمل.
العرب اليوم