من يتابع شريط الفيديو لما حدث على دوار الداخلية وما تلاه من حوارات بين نشطاء الطفيلة ونشطاء الحرائق , يعرف حجم التضليل والتضبيب المحيط بحراكاتنا الشعبية , الموجوعة صدقا , والمُحبطة فعلا , وبين تجار الشعارات الموجعة وطنا وشعبا , وحملة المباخر لأنظمة الوأد الشعبي الجديد .
ما يحدث على قاطع الطفيلة الشعبي لا يحتاج الى درك وعصي , بقدر ما يحتاج الى قراءة هادئة لواقع القاطع الجنوبي برمته , ومن ضمنه حراك الطفيلة , الذي قفز بشعارات يعرف انها ليست له ولا تحمل مطالبه الواعية , فهي شعارات غضب تم سقايتها وإكرام وفادتها من تجار الشنطة السياسيين , الذين رقصوا طربا على وقع شعارات مرفوضة جملة وتفصيلا من الاردنيين و جموع الاصلاحيين في الاردن , ولكنها تحاكي شعارات صفعت اولئك الساسة في عاصمة وجدهم وجيبهم , فكانت تلك الشعارات ايذانا بنصر مشروعهم الاسود , لكي تُضيّع الحراكات بوصلتها الاصلاحية وصولا الى تساوي العواصم في الدم والفتنة .
ليس المطلوب ضرب واعتقال نشطاء الطفيلة , بل عرض مواقف تجار الشنطة من السياسيين عليهم , اولئك السياسيون الذين يحملون مواقفهم المعلبة الى العواصم والسفارات كي يعرضوا قصص نجاحهم عليها , وكيف نجحوا في تصعيد الغضب الشعبي والاستثمار في تباطؤ القوانين الاصلاحية وفي انحياز برلمانين لمصالحهم وجوازاتهم وتقاعدهم على حساب وطن وشعب .
لا يوجد في الاردن من يقبل بتلك الشعارات ولا من يدعمها الا فئتان , فئة القتها بواقع غضب وحرقة وقلة خبرة سياسية ومحاكاة لتجارب مُشاهدة على فضائيات النميمة , والفئة الثانية فئة تجار الحرائق , ممن حملوا راية الجوار على حساب راية الوطن , وممن حملوا منصبهم عَقدا مع الوطن , فإن فازوا به , رقصوا في المناسبات الرسمية وإن فشلوا رقصوا به على دوار من دواوير عمان وعلى فضائيات النميمة.
الوطن بالنسبة لهم حقيبة , اذا فرغت من منصب او شرهة يا ويلنا , وان امتلأت فيا ويلنا ايضا من قراراتهم ومحاسيبهم , فالوطن مثل ملعب كرة القدم , مليئ بالجماهير المشجعة , وهي سرعان ما يؤخذها حماسها الى الهتاف دون تركيز في مضامينه وغاياته , ولعل من يشاهد الفيديو يرى كيف انسحب كثيرون لحظة اطلاق الشعارات الموجعة والمرفوضة , وكيف ابتسم الاخرون ورقصوا على انغامها النشاز .
من الخطأ قراءة شعارات الرابع من الدواوير , بوصفها حالة سياسية متأصلة او مطالب شعبية والعمل على التصدي لها , فهي مرحلة كفر وطني لفتية اما تم تضليلهم واما ضاق صبرهم وصدرهم , وهم يرون الاعلام الرسمي يبث تقريرا عن “ كشيش الحمام “ في يوم الارض ومسيرة القدس المليونية , ويسمعون تصريحات حكومية من فوق برج عال , ويرون تراشق السياسيين بالتهم على التباطؤ , وتضييع الوقت في المنابزة من اجل الفوز بعطاء سياسي او قانوني او تجاري .
يجب قراءة غضب الطفيلة بوعي سياسي ووحي وطني , فالتحجج بالصيف وحرّه والبرد وقسوته , لن يصنع خارطة طريق للاصلاح , ولن يضع القاطرة على سكة العمل والانجاز , وصمت الرسميين الحاليين والسابقين يعني ان الدولة بلا رجال وبلا مشاريع مستقبلية , الا اذا رسي العطاء عليهم وحينها سيخرج مناكفون جدد .
تجربة انتخابات نقابة المعلمين افرزت ان الحركة نحو الاصلاح بنزاهة وجدية , تطفئ الحرائق المشتعلة وتنزع الصواعق القابلة للانفجار وتكشف ان الشارع لديه مخزون من الوعي الوطني والحرص على المصلحة العليا للدولة بما يفوق كل الوصف , فما حدث كان عرسا وطنيا بامتياز والمطلوب تجذيره بسرعة الانتقال الى الملفات التالية من انتخابات برلمانية وبلدية وسرعة العمل على قضايا الفساد واسترداد المال العام وبعدها سنرى من سيخرج الى الدواوير .
الخطوة الاولى من الحكومة و سيدعم الجميع خطوتها نحو الاصلاح ومن يشذّ فالقضاء المدني هو الحل .
omarkallab@yahoo.com
الدستور