"اللجنة" والحوارات المقطوعة .. !!
أ.د عمر الحضرمي
02-04-2012 05:27 AM
هنالك قول تداولته النخب السياسية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مفاده "إنْ أردت أن تقتل موضوعاً ما فشكِّل له "لجنة"، ورد هذا الى الخاطر عندما قرأنا ما نُقل عن رئيس مجلس الأعيان رئيس "لجنة" الحوار الوطني دولة السيد طاهر المصري. فأن صدقت عملية النقل، أو إنحرفت قليلاً إلى هذه الجهة، أو مالت إلى تلك الجهة، فأنها تضل واقفة تحت دائرة ضوء المصداقية وقول الحق، حيث يشكو السيد المصري من أن" لجنة الحوار الوطني" قد عَقدت عشرات اللقاءات، وجابت كل المحافظات، والتقت بمعظم الأطياف السياسية والفكرية والثقافية والإجتماعية، وبعدها رفعت تقريرها إلى الحكومة ليصار إلى رفعها إلى مجلس النواب لدراستها ووضعها بصورتها النهائية، إلا أن ذلك لم يحدث وعدنا إلى نقطة الصفر في حواراتنا نحو قانون الإنتخاب، وقانون الأحزاب وغيرها من المواضيع. إلا أن بعد ذلك كلّه لم يتم الأخذ بالتوصيات التي وضعتها اللجنة وكأن شيئاً لم يكن، وضاع الجهد ليتحول فقط إلى نشره هنا أو إعلاناً هناك.
هذه الشكوى تعيد للأذهان مصير الكثير من اللجان التى كلفناها بوضع تصورات تشكل أساساً للحوارات الوطنية، وحاضنات للعصف الذهني، ودوائر للنقاش وتبادل الرأي، لنصل في النهاية إلى مكونات صحيحة للعمل السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وكيف أنها إنتهت في معظمها، إن لم يكن كلها، إلى أحرف وكلمات وجمل طبعت عل ورق مصقول ووزعت الاف النسخ منها هنا وهناك لالشئ إلا لتوضع على الرفوف العليا في مكاتبنا أو في مؤسساتنا أو في بيوتنا. فمن لجنة الميثاق إلى لجنة الأردن أولاً إلى لجنة كلنا الأردن إلى لجنة أهل العزم إلى لجنة الأجندة الوطنية، وأخيراً لجنة الحوار الوطني، وهكذا إنتقلنا من لجنة الى أخرى دون أن نقطع رأيأ أو أن نصل إلى قرار. وكل مافُعِلَ هو إحتفال رسمي عالي المستوى يعقد حيث تقدم التوصيات، وبعدها ينفضّ السامر، ونبدأ نفكر بتشكيل لجنة جديدة لتبدأ عملاً آخر منقطعاً في نهايته.
اللجان في الأساس هي مراكز وتجمعات يقصد منها الإطلالة على القضية أو المسألة من جميع زواياها، وإخضاعها للنقاش والدراسة وبالتالي الخروج بتوصيات تُرفع الى المسؤولين للتمحيص والتعديل، ومن ثم إصدارها على شكل قرارات تكون الموافقة عليها قد حصلت أثناء مرحلة الإعداد، إلا أننا في الأردن إستعملنا ظاهرة اللجنة فقط "كفزعة" تنتهي عند أول منعطف حيث ينزل الركاب، وتضل القاطرة واقفة وقد تجمدت أعضاؤها واصبحت مَعْلَماً تاريجيا تزوره الوفود الطلابيّة، وتمر به الأجيال لتقرأ على روحه الفاتحة.
اللجنة آلية هامة تلجأ إليها الدول كجزء هام من أجزاء إستطلاعات الرأي التي تمثل طرفاً هاماً من أطراف الديمقراطية شبه المباشرة، وهي مصدر هام يلجأ إليه صاحب القرار ليتخذ الإجراء المناسب والصائب بعد أن توفرت لديه جميع الآراء وتجمعت لديه كل الأفكار. وبالتالي فإن اللجنة هي بصورة أو بأخرى، السبيل الأمثل التي تؤمّن للمسؤول الرؤيا الدقيقة والصادقة التي يمكنه من خلالها الذهاب إلى المكان المناسب في مسيرة الدولة.
اللجنة هي من جهة أخرى، جهد يكلف مادياً وإنسانياً وفكرياً لذلك يجب التعاطي معه بكل حرص وإحترام والا فإن العملية تغدو عملاً عبثياً يضيّع الجهد وينكفأ بالجدية إلى دوائر خلفية وهمية تنتهي في إحتفال مهيب أحياناً للإعلان عن نتائج ما توصلت إليه اللجنة.
يجب أن نعيد النظر في كل ما توصلت اليه لجاننا السابقة ولكن بطريقة أخرى نتوافق عليها، إلا أنها، بالضرورة، يجب أن لا تكون "تشكيل اللجنة لدراسة ما سبق"، وذلك خوفاً من أن تقع بالمحظور.