السلطة التشريعية جزء من أزمة النظام السياسي الأردني
د. اسامة تليلان
01-04-2012 10:47 PM
تشكل السلطة التشريعية أحد أهم مصادر الأزمة التي يواجهها النظام السياسي الأردني، لكونها تشكل أحد أهم امكوناته الرئيسية التي يشكل قيامها بوظائفها الدستورية بفعالية أحد أهم مصادر تماسكه ومصادر تجديد شرعيته وزيادة قدراته الإستيعابية والتمثيلية، وتوفير قدر وافر من الثقة فيه.
فقد أدى ضعف أو إضعاف السلطة التشريعية الى عدم قدرتها أولاً على القيام بوظائفها الدستورية المتمثلة بالتشريع والرقابة والمحاسبة والمسائلة، وأبعدها عن تجسيد فكرة الحكومات البرلمانية التي تستمد شرعيتها من ثقة البرلمان، كما فقدت قدرتها عن أن تكون معبراً عن تطلعات الناخبين، وعن أن تمثل شرائح المجتمع والقوى السياسية وما طرأ عليها من تحولات بشكل معبر.
كل ذلك أدى الى تنامي عامل فقدان الثقة بالسلطة التشريعية وقد تجلت العديد من بوادرها في حالة الفصام بين الناس ومؤسسة البرلمان والمطالبة بحل المجالس البرلمانية لعجزها عن القيام بوظائفها. الأمر الذي أسس لاحقا لدخول النظام السياسي في أزمة عميقة.
وقد فسرت أسباب الضعف في كل مرة بنوعية النواب وطريقة إختيارهم من قبل القواعد الإنتخابية، وقد تم التسويق لذلك مراراً وتكراراً، والواقع أن لا هذا ولا ذاك تعتبر من الأسباب الحقيقية، فقد أضُعفت السلطة التشريعية عبر ثلاث طرق:
الأولى عبر التعديلات الدستورية التي طرأت على دستور 1952 المتعلقة بالمواد ذات الصلة بالسلطة التشريعية وبالتوازن والفصل بين السلطات، حيث أدت هذه التعديلات إلى إضعاف هذه السلطة وسمحت بتمدد السلطة التنفيذية على حسابها، وأسست لإمكانية تغييب هذه السلطة لفترات مفتوحة.
والثانية : عبر حرمان السلطة التشريعية بفعل قوانين الإنتخاب من الإستناد إلى تعددية حزبية وسياسية وكتل برلمانية مستقرة يمكنها ان تشكل ضمانه أساسية للممارسات السياسية ، وأن تؤسس لحياة سياسية تنافسية وان تنقل البرلمان من الاعتماد على الأداء الفردي للنواب الى صيغة من صيغ المؤسسية.
فالأحزاب لها وظائف أساسية تقع في صلب الحياة النيابية، التي لا أي نظام نيابي بدونها مثل مراقبة اداء أعضائها في البرلمان ومحاسبتهم وتقوية مكانتهم، وبالتالي مكانة البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية، وبنفس الوقت حماية السلطة التنفيذية من الضغوطات الفردية للنواب مقابل مواقفهم مع الحكومات، التي وصلت إلى حد المساومة على منح أو ححب الثقة، وانتشار أشكال التنفيع الفردي في أوقات الإنتخابات أو اثناء بناء المواقف إن داخل البرلمان أو خارجة، وذلك بفعل غياب رقابة الأحزاب لاداء نوابها ونواب الأحزاب الأخرى في إطار تنافسها السياسي على كسب الأصوات والمؤيدين في الانتخابات.
بالمقابل ما زال قانون الإنتخاب يعتمد على الهياكل الاجتماعية التقليدية (مؤسسة العشيرة والعائلة وغيرها من المؤسسات الإرثية ) التي لا يمكن أن تؤدي لوحدها إلى تقوية السلطة التشريعية أو الديمقراطية أو المجتمع المدني الديمقراطي لكونها لا تستطيع القيام بالوظائف الأساسية التي تقوم بها مؤسسات الفعل السياسي كالأحزاب. فباستثناء إختيار مرشحيها للإنتخابات، فإن الهياكل التقليدية، لا تملك وظائف حقيقية في إطار العملية السياسية والتشريعية، فالمرشحين بعد فوزهم يمارسون أدوراهم بفردية وبدون أي ضوابط مؤسسية على ادائهم، ويجدون أنفسهم بدون أي إسناد أو غطاء سياسي يقوي مكانتهم.
لقد أدى ذلك، أولاً إلى إضعاف أعضاء البرلمان أمام السلطة التنفيذية. وثانياً بروز النزعة الفردية في الأداء والبحث عن تحقيق المصالح الفردية على حساب الوظائف الأساسية في الرقابة والتشريع، خصوصا أن الإجماعات العشائرية تقوم على التوافق وبالتالي لا تعطي المرشح أكثر من دورة واحدة. وثالثاً، عدم وجود كتل برلمانية مستقرة تثري دور البرلمان الرقابي والتشريعي، كل ذلك وغيرة، قاد إلى إضعاف السلطة التشريعية إلى الدرجة التي عايشنا معها ولادة برلمانات وصفت بالضعف وقوبلت من المحتجين بالمطالبة بحلها. والأهم من ذلك أن النظام السياسي برمته فقد أحد أهم أذرعه التمثيلية لمبدأ ان الشعب مصدر السلطات، وهذه الجزئية أساسية في تحقيق درجة مقبولة من الرضا العام عن النظام السياسي، ودرجة أساسية في إكسابه القدرة الاستيعابية لمطالب وتطلعات المواطنين.
لقد أظهرت الشهور السابقة، أن تزعزع الثقة بقدرة مؤسسات الفعل السياسي (البرلمان والأحزاب)، قد أدى إلى خروج الناس إلى الشوارع عبر إنتشار عشوائي للحركات المطالبة بالإصلاح خارج نطاق أي قواعد يمكن ان تضبط هذه العملية، ومن غير المتوقع ان يتم إستيعاب واستقطاب هذه الحركة إلا من خلال برلمان قوي وأحزاب سياسية فاعلة في بنية النظام السياسي.
والثالثة : بسبب التحكم بإرادة الناخبين وبسير العملية الانتخابية، وما أدت إليه هذه الحالة من إنتاج العديد من السلبيات، وأهمها التشكيك بشرعية الإنتخابات، وإيصال الناخب إلى قناعة بعدم جدوى إرادته لكون النتائج محسومة من البدء، ومن ثم الوصول إلى قناعة بعدم الجدوى من المؤسسة البرلمانية. والقناعة بان النواب غير مستقلين بقراراتهم حتى قبل ممارسة أدوارهم التشريعية.
والرابع : بنية المؤسسة البرلمانية الداخلية والنظام الداخلي
صحيح أن برلمانا دون شرعية لا يعد برلمانا كذلك فان برلمانا شرعيا يعاني من نقص القدرة على اتخاذ القرارات من الصعب ان يكون برلمانا جيدا، وبالتالي فان ضعف البرلمان يضعف التحول الديمقراطي ككل بعبارة أخرى فان تطوير وإصلاح المؤسسة التشريعية أمر أساسي لتحقيق شروط الاصلاح وللتحول نحو الديمقراطية وهو ما شهدت عليه تجارب دول شرق اوروبا وشرقي اسيا.
رغم الإقرار بالإنتقادات الموجهة الى الاداء السياسي للبرلمان إلا أنه ليس من المقبول القول أنه مؤسسة عديمة التأثير في البيئة السياسية. فالبرلمان هو المؤسسة السياسية الرئيسية في النظام الديموقراطي وتلعب دروا حيويا في عملية التحول الديمقراطي وفي مأسستها. كما اننا بحاجة الى برلمان يعبر بدرجة كبيرة من التأثير في عملية التشريع ودرجة أكبر من التعددية السياسية الحزبية. وكذلك مختلف أطراف الحياة السياسية تحتاج الى البرلمان لتعزيز نفوذها . لهذا من الضروري الوصول الى فهم أعمق لقواعد ووظائف وقدرات البرلمان، وفهم أعمق لمركزية دور السلطة التشريعية في النظم النيابية وفي عملية التحول نحو الديمقراطية.
هذا الفهم يتطلب على العمل على إعادة الثقة بالسلطة التشريعية، وإصلاح النظام النيابي، وتوسيع قاعدة المشاركة بالعملية الديمقراطية.
وذلك عبر مايلي :
أولاً : إعادة الثقة بالسلطة التشريعية
تشكل عملية تعزيز إستقلالية السلطة التشريعية الى جانب التطبيق الكامل لمبدأ التوازن والفصل بين السلطات المدخل الأساسي لإعادة الثقة بالسلطة التشريعية.
وهذا يتطلب العمل على :
- تجسيد مبدأ استقلالية السلطة التشريعية.
- التوزان والفصل بين السلطات مع ما يحتاجه ذلك لإي تعديلات دستورية.
- إنتخابعدم تغييب السلطة التشريعية والبرلمان تحت أي ظرف.
- قيام السلطة التشريعية بواجباتها ووظائفها الدستورية بعيداً عن أي شكل من أشكال التدخل أو التأثير فيها.
- التجريم السياسي والقضائي للممارسات غير الدستورية التالية :
• أي محاولة تهدف إلى الإخلال بهذه الإستقلالية أو التأثير فيها.
• كافة أشكال التنفيع أو الإحتواء من قبل أي سلطة وخصوصا السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية سواء كانت بصورة فردية لأعضاء مجلس النواب أو مؤسسية والعكس صحيح.
• أي محاولة يهدف من خلالها أعضاء البرلمان تحصيل منافع فردية تتنافى مع طبيعة دورهم الدستوري.
ثانياً : إصلاح النظام النيابي
تشكل عملية إصلاح النظام النيابي المدخل الأساسي لإصلاح النظام السياسي، ومعالجة الكثير من أزماته، وتوسيع قاعدة العمل الديمقراطي والمشاركين. والسؤال اليوم لم يعد يتعلق بجدوى البرلمان أو مدى تقصيره، وإنما يدور حول كيفية إصلاحه وتفعيله ، والقول بغير ذلك فيه تهديد لفكرة النيابية وجدوى الديمقراطية. ولأي محاولة تهدف الى إعادة الثقة بالسلطة التشريعية، والحد من الفساد، وتوسيع قاعدة المشاركين بالعملية الديمقراطية.
وتتطلب عملية إصلاح النظام النيابي التعامل مع بعدين جوهريين للوقوف على القيود التي تحد من فعالية البرلمان التي تتجسد اولا بالإطار الدستوري والقانوني وفي مقدمته قانون الانتخاب والنظام الداخلي للبرلمان وثانيا في تطوير بنية المؤسسة النيابية.
قانون الإنتخاب
" قانون الإنتخاب، هو المدخل الوحيد لإعادة بناء السلطة التشريعية وتجديد نوعية اعضائها و وهو السبيل الوحيد لقيام ثلاث أو أربع تيارات سياسية كبيرة، وبناء حياة سياسية تنافسية جديدة وحقيقية، وتقوية المجتمع المدني "
ان أي نظام ديمقراطي يجد تعبيرة السياسي الرئيسي في النظام النيابي، لن يكون نظاما سليماً ومتكاملا وقادراً على أداء مهامه الجوهرية، وتقوية وتعزيز أداء النواب، وتقليص التشوهات فيه، إن لم يستند إلى قاعدة عريضة من التعددية السياسية والحزبية، لكونها تشكل أدوات ضبط ورقابة على أداء النواب من ناحية، ولأنها تعمل على تقوية مواقف النواب، ومن ناحية ثانية تزيد من القدرة التمثلية والادائية والإستيعابية للنظام النيابي وإلى توسيع قاعدة العمل الديمقراطي والسياسي، وبناء حلقة وسيطة بين الناس وبين النظام السياسي، وبالتالي تحقيق درجة أعلى لتمثيل الناس وتوفير الشرعية لهذا التمثيل وتوسيع قاعدة العمل الديمقراطي وتقليص اعداد من يشعرون بالتهميش السياسي والاجتماعي.
ومن جانبا آخر فإن أي قانون إنتخاب لا يوفر الظروف التشريعية للأحزاب السياسية للتنافس على أصوات الناخبين يبقى قانونا منقوصا ولن يحقق أي فاعلية حزبية وسياسية جديدة، ولن يؤدي إلى تشكل أحزاب سياسية كبيرة
وعلى ذلك ينبغي أن يتضمن قانون الإنتخاب مبادئ اساسية أهمها :
- إعتماد النظام المختلط الذي يقوم على الإنتخاب الفردي عبر الدوائر الجغرافية وعلى القائمة الحزبية النسبية وبنسبة 50%.
- أن يشترط في قانون الإنتخابات النيابية فيمن يترشح للإنتخابات النيابية بما فيها الدوائر الفردية أن يكون عضواً في حزب سياسي.
- في حال قام أي حزب بفصل أي عضو برلماني من الحزب يعطى العضو مدة شهرين للإنتساب إلى حزب آخر أو تأسيس حزب، وفي حال عدم تمكنه من ذلك يعزل من البرلمان.
- تحسين ميزان الدوائر الإنتخابية نسبة إلى عدد سكان الدائرة مع عدد المقاعد الإنتخابية.
" الغاية من ربط الترشح بعضوية حزب سياسي وكذلك فصل النائب الذي تسقط عضويته من الحزب، هي وضع ضوابط على أداء النواب، وكذلك توفير قنوات يحافظ فيها على دور المؤسسات التقليدية ( العشيرة وغيرها) إلى جانب المؤسسات الحديثة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني."
النظام الداخلي للبرلمان
تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب بما يؤدي إلى زيادة فعاليته التشريعية والرقابية وفعاليته في إتخاذ القرارات، وفي هذا المجال هناك دراسات معدة من قبل مراكز متخصصة يمكن الاستفادة منها.
الثاني : تطوير المؤسسة البرلمانية والكشف عن مجالات البحث من أجل دعم البنية المؤسسية للبرلمان وتفعيل دورة في الحياة السياسية، أي طبيعة الترتيبات المؤسسية للبرلمان التي تحدد ما إذا كان البرلمان قادر على ممارسة الدور المسموح به دستوريا وسياسيا. ومنها حجم الموارد البشرية والتنظيمية ومصادر المعلومات المتوافرة للبرلمان، ومدى خبرة الاعضاء بالعمل البرلماني ومهاراتهم وقدراتهم التتشريعية وغير ذلك.
ثالثاً : سير العملية الإنتخابية والإشراف عليها
- إستقلالية الهيئة المشرفة على الإنتخابات من أي تأثير من حيث التشكيل والأداء .
- أن تكون مؤسسات المجتمع المدني شريكة في الهيئة المستقلة للإنتخابات كمشرف ومراقب على كافة مراحل العملية الإنتخابية.
- التجريم القانوني لكافة اشكال التحكم بسير العملية الانتخابية وفي كافة مراحلها.
- ضمان نزاهة الإنتخابات وفق المعايير الدولية.