التعليم الجامعي .. المعضلة والحل .. !
أ.د عمر الحضرمي
30-03-2012 07:54 PM
يُجمِعُ كل المشتغلين بالعملية التربوية أن للتعليم، بالمطلق، والتعليم الجامعي على وجه الخصوص، أبعاداً عميقة وخطيرة ومؤثرة في بناء المجتمعات، وذلك كون هذه العملية ذات تداعيات نفسية وثقافية وفكرية واقتصادية، لأنها، أولاً وأخيراً، عملية دائمة، أي أنها غير محدودة في الزمان أو المكان أو الجيل. وأكثر من ذلك فقد أبدت كل المؤسسات والهيئات المسؤولة عن «الدولة» اهتماماً خاصاً بالتربية والتعليم لأنها مكوّن أساسي من مكوّنات المجتمع، أفراداً وجماعات، وبالتالي فإنها ترسم مستقبل الشعوب وتحدد مصائرها، ولذلك فإن أي تدهور في التعليم الجامعي يعني، بالضرورة، تراجع القدرة البنائية للدولة، بل وإن أي خلل أو تقصير فيه يقود في كل الأحيان إلى السقوط والانهيار في المجتمعات. وهنا يجب أن نحدد أن العملية التربوية لا تقتصر على الطالب أو المعلم أو المناهج أو الأبنية أو البنى التحتية، وإنما هي تشمل ذلك كلّه.
لقد شهدنا بعد الحرب العالمية الثانية أن الدول قد وضعت خططاً وبرامج وإستراتيجيات تهدف، في النتيجة، إلى تلبية حاجات الفرد وحاجات المجتمع، وعليه فقد ذهبت هذه الدول إلى البدء بمراجعة شاملة للتركيبة الداخلية للجامعات التي كانت تركز في تخصصاتها ومناهجها على تدريس مواضيع تقليدية همّها الأول تزويد الطالب بالحاجات الأساسية فقط، وقد أدى ذلك إلى امتلاء الأسواق بخريجين محيطين بالمهارات الأساسية المجردة دون الاهتمام ببناء شخصية الخريج المميزة والخلاقة والمبدعة وصاحبة المبادرات، لأن التعليم الجامعي كان مقتصراً على الاكتفاء بتزويد الطالب بمعلومات مكتوبة، وما عليه إلا أن يحفظها ثم يُفْرغ ما في عقله على الورق. وكلما كان يملك قدرة على الحفظ كلما حصل على الدرجات العالية، دون أن يُكَلّف بإبراز شخصيته، أو استخدام قدراته التحليلية أو محاكمة المعلومة التي تعطى له.
أما في الوطن العربي، فالبرغم من التغيّر الجذري والثوري الذي لحق بالتعليم الجامعي في الدول المتقدمة، فإننا لازلنا نعيش في العصر البدائي للتعليم الجامعي، ولذلك فقد أكد الكثيرون أن أهم مظاهر التخلف في الوطن العربي وأسبابه، هي عائدة في الأساس إلى تخلف المؤسسة التعليمية الجامعية، الأمر الذي أدّى إلى غياب «الجامعة»، حسب المفهوم الحديث لها، في طول الوطن العربي وعرضه، وما نراه الآن لا يتعدى كونه «مدارس» للتعليم العالي تعتمد التلقين والتبشير والوعظ ودراسة المؤلفات الكلاسيكية التقليدية التي تفترض أن الطالب لا يتعدى كونه وعاء يُملأ بالمعلومة العامة، دون أن يحللها أو يحاكمها أو حتى يفكر في تفحّص مدى صدقيتها أو علميتها. ولعل هذا هو السبب الأول والأهم في ضخ قيادات هزيلة في المجتمع العربي، لا تملك أية قدرة على إحداث أي تغيير في البنى الأساسية لهذا المجتمع. وكل ما يمكن أن يوصف به التعليم الجامعي في الوطن العربي أنه عملية إعادة إنتاج للتخلف، دون النظر إلى الجامعات والمعاهد العليا على أساس أنها العمود الفقري في عملية التقدم الاجتماعي والاقتصادي للدول.
وخطورة ذلك أن العالم المتحضر قد اتجه منذ زمن طويل إلى الإيمان بأن بقاء الدول هو قائم على المنافسة التقنية والمعلوماتية، وهذه مرتكزة، في أصلها، على ترسيخ مفهوم الإنتاج الذاتي الذي لا يمكن تحقيقه إلا إذا أعدنا النظر، وبشكل جدّي، في عملية التعليم الجامعي.
هذه دعوة يمكن أن توجه إلى كل المؤسسات المسؤولة عن التعليم الجامعي في الوطن العربي، وإلى كل القيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيه. ولما أن الوقت سبقنا كثيراً، فعلينا أن نسارع إلى بناء هذا المشروع والبدء بالتنفيذ فوراً، وغير ذلك سنجد أننا سنعاني من المزيد من التدهور والانهدام والانهيار والتخلف على كل المستويات.
الرأي