في الوثيقة الأخيرة التي أصدرها إخوان سورية، تأكيد جديد على حسم الإسلاميين خيارهم بالذهاب نحو الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة؛ بل تنهي الوثيقة بصورة قاطعة، أيضاً، المساحة الرمادية المتعلّقة بأمن الأقليات وحقوقهم، وتحاول أن تخفف مخاوف الداخل والخارج على العلويين والمسيحيين والدروز، في اليوم التالي لسقوط النظام، في حال وصول الإسلاميين إلى السلطة.
هذه الوثيقة إضافة نوعية إلى سلسلة الوثائق والبرامج السياسية للإسلاميين (الديمقراطيين) في مصر والأردن والمغرب وتونس؛ وجميعها تنهي ذريعة "الديمقراطية لمرّة واحدة" التي كانت مصدر قلق الدول الغربية والنخب السياسية في العالم العربي من انقلاب الإسلاميين على اللعبة بعد حصولهم على القوة.
هذه المخاوف من الإسلاميين لم تعد قوية حتى لدى أكثر مراكز التفكير الأميركية تطرفاً، فهم لم يعودوا يرددون المعزوفة القديمة "صوت واحد للأبد"، إنّما يتحدثون عن تحديات أخرى وجديدة أكثر أهمية وخطورة اليوم، وهي تثير المخاوف على الإسلاميين وليس منهم، وتحديداً ما يتعلق بقدرتهم على الحفاظ على الأفضلية في الشارع.
في واشنطن، تطرح اليوم موضوعات ثلاثة: التحدي الاقتصادي، الأسلمة والحريات الفردية والمواطنة، والعلاقة مع المجتمع الدولي- الموقف من التسوية السلمية. أما ضمانات الديمقراطية واستمرار العملية الانتخابية، فلا يبدو هناك قلق حقيقي موضوعي عليها.
تجربة الأعوام القليلة القادمة، إذن، ستكون حاسمة في ترسيم مستقبل الإسلام السياسي ومدى قدرته على إثبات حضوره في السلطة، كما كانت عليه الحال في المعارضة. وهو تحدّ أكبر وأخطر بكثير من "ضمانة" اللعبة الديمقراطية.
في البرنامج الاقتصادي؛ يبدو الإسلاميون، بخاصة في مصر والمغرب وتونس، – نظرياً- متفهمين للمشكلات، ويمسكون بمعالم الخروج من الأزمة عبر الرهان على مكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية، من خلال إعادة هيكلة النفقات الجارية، والاقتراب أكثر من إنصاف الطبقات الفقيرة والمتوسطة بإعادة توزيع الضريبة والاهتمام بالخدمات الأساسية، ولا توجد لديهم مشكلة بنيوية مع اقتصاد السوق، بقدر ما يقتربون من النموذج الأوروبي (اقتصاد السوق الاجتماعي). مع ذلك، فإنّ العبرة بالتطبيق، والقدرة على تحويل هذه الأفكار إلى برامج حية عملية، أو وضع البلاد على السكّة الصحيحة، وهو تحدّ حاسم لهم اليوم.
الجانب المهم اليوم، والذي يثير النقاش حول برنامج الإسلاميين، يتمثل في البرنامج الاجتماعي، وتحديداً "الأسلمة"، مع بروز التيار السلفي الذي يذهب إلى التشدد أكثر في قضايا الحريات الفردية والفنون والمجتمع.
السؤال الحالي يكمن، وتحديداً في التجربة المصرية، فيما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين ستأخذ مساراً تنافسياً مع السلفيين أم تحالفيّاً. فإذا كان الأول، فإن فرصة أن يتحول الإخوان إلى "الليبرالية الإسلامية" ستكون أكبر، والخشية من الوقوع في "الفخ السلفي"، على حد تعبير بعض الباحثين، ستكون أقل. أما إذا اختار الإخوان التحالف مع السلفيين، فإنّهم سيضطرون لمسايرة خطابهم الديني والاجتماعي، ما يعزز الصراع بين التيار العلماني والإسلامي، ويحد من فرصة تطور الإخوان نحو خطاب أكثر براغماتية وليبرالية، وربما يهدد التجربة الديمقراطية المصرية بأسرها!
إلى الآن، السيناريوهان محتملان وعليهما مؤشرات. فعندما قام نائب سلفي ورفع الأذان، اشتبك مع رئيس مجلس الشعب الإخواني، الذي طلب منه عدم المزايدة على الجماعة. فيما يتحالف الإخوان والسلفيون في الجمعية التأسيسية للدستور ويستأثرون بأغلبية المقاعد. موقف المجتمع الدولي النهائي سيترتب على المرحلة الحالية. والمثير أنّ الإخوان يجدون، للمرة الأولى، أنّ هنالك من يحتل مساحة اليمين الديني مكانهم، بعد أن كانوا اللاعب الإسلامي الوحيد في اللعبة السياسية، فهل سنشهد تحالف "اليمين ويمين اليمين"، أم تحالفات عابرة للأيديولوجيات؟!
m.aburumman@alghad.jo
الغد