ربما لو رصدنا أهم القضايا التي سيطرت على مجالس الناس او الكثير منها لوجدنا ان مسلسل باب الحارة بجزئه الثاني كان مما شغل الكثيرين، بل ان البعض كان يستعجل قدوم شهر رمضان المبارك حتى يبدأ عرض الجزء الثاني الذي عُرض الجزء الاول منه في رمضان الماضي.وأصبحت شخصيات هذا المسلسل وتفاصيله على ألسنة الناس حتى الاطفال الصغار، ويتناقل المواطن تفاصيل الحلقة كل يوم، ومن يشاهدها ظهراً يرويها لمن ينتظرها مساءً، وطلاق سعاد زوجة "الحكيم" ابو عصام وامكانية عودتها الى بيتها كانت اهم عند الناس من الحديث عن الانتخابات النيابية، وابطال المسلسل من ابو شهاب وبائع البليلة والغامض صطيف احتلوا مساحة في احاديث الكبار والصغار اكثر من اهتمامهم بقوائم مرشحي هذا التنظيم او بطل اجماع هذه العشيرة. هذا اذا استثنينا الاهتمامات المحدودة من النخب، لكن صور ابطال المسلسل اكثر وضوحاً في اذهان الناس من صور مرشحي الحزب والتنظيم والعشيرة.
ولعل هذا يعيدنا الى الصناعة التي يمكن من خلالها استقطاب الرأي العام واهتمام الناس، وكيف يمكن لعمل تلفزيوني ان يفرض ابطاله وشخصياته على ألسنة وعقول الصغار والكبار, وحجم الرسالة التي يمكن ان تبثها مثل هذه الاعمال الناجحة لدى الجمهور، وهي وسائل اكثر فعالية من كثير من الوسائل النخبوية او التي يعتقد اصحابها انها هامة.
اما الامر الثاني المهم، الذي شغل الناس، فهو المكرمة الملكية بصرف (100) دينار للعاملين والمتقاعدين من القطاع العام، وخلال رمضان بدأت التوقعات والاشاعات، واحياناً توجه الاسئلة لمن يعتقد الناس انه يملك معلومة، وقياساً على الاعوام الماضية كان السؤال: متى سيكون افطار الجيش لأن الناس اعتادت ان يتم الاعلان عن هذه المكرمة في هذا اللقاء، لكن الاهتمام زاد بعد الاعلان عنها، حول صرفها وإنفاقها لسد حاجات العيد، او ربما لتكون مصدر التمويل للإنفاق بعد العيد لمن (استعمل) راتبه لشراء اغراض العيد ولم يبق منه الا القليل.
ربما لا يشعر اصحاب الدخول المرتفعة او المقتدرون بقيمة (100) دينار على موازنة العائلات ذات الدخل المحدود، لكن القريب من تفاصيل حياة الناس يدرك انها دخل قادر على ان يحل بعضاً من مشكلات تعاقب رمضان والعيد بتكاليفهما الاضافية.
هذه المكرمة والسنة الحميدة تتحول الى عُرف وموعد سنوي، فهي مبادرة ترتبط بشهر رمضان والجيش واحساس الملك بأحوال الناس ورغبته في صناعة البسمة في هذا الشهر الكريم.
اما الانتخابات فتبدو اقل حضوراً في حياة الناس، وحتى تلك القوى التي تعتقد انها مؤثرة فإنها لم تكن هامة على اجندة عامة الناس، والمرشحون العاديون ينتظرون ما بعد رمضان ليكونوا اكثر نشاطاً او ربما للبحث عن اجتماعات عشائرية ولتكثيف حضورهم، لكن من المؤكد ان الانتخابات لم تكن حدثاً رمضانياً متقدماً.
بعد العيد المبارك سندخل في اسابيع الانتخابات ثم تأتي حكاية المجلس الجديد والحكومة الجديدة ورئاسة المجلس التي قد لا تشهد الكثير من المفاجآت، لكن الحدث الصعب على الحكومة والبرلمان والناس سيكون قرار تحرير اسعار المشتقات النفطية الذي نأمل ان تمر مرحلته ضمن سياق متكامل من الحرص على مسار الدولة والحرص على حق المواطن، وبخاصة ذوي الدخل المحدود والمتوسط، في حياة كريمة وأمان حقيقي وليس عبر شبكات للأمان تحدثت عنها الحكومات ولم تنجز منها الا القليل.
sameeh.almaitah@alghad.jo