أرجو ألا نُستدرج اليوم إلى "معركة ردح" مع مجلس النواب. إذ أصدرت نقابة الصحفيين بياناً كافياً، والكرة اليوم في ملعب الأعيان، ونرجو منهم أن يقرؤوا جيّداً خطورة التقاعد المدني والعبء الهائل غير المبرّر الذي سيضعه على الموازنة.
أمّا جواز السفر الأحمر، فليس صحيحاً ما يقوله بعض الأعيان والنواب بأنّه "لن يكلّف الدولة شيئاً"، بل ستدفع أخطر شيء وهو سمعتها، عندما تمنح جوازاً دبلوماسياً لأعداد هائلة من مواطنيها. فهذا "الجواز" بالرغم من عدم وجود قيمة فعلية له، إلاّ أنّه سيحدّ من قيمته في مطارات وحدود الدول الأخرى، وهو في النهاية أمر مؤذ للدولة ودبلوماسييّها.
دعونا نركّز الجهد اليوم على مجلس الأعيان لمطالبته بعدم تمرير هذه الامتيازات غير المنطقية في مضمونها، وفي توقيتها؛ إذ تعاني الأغلبية العامة الأمرّين من الأوضاع الاقتصادية، وتواجه الدولة أزمة مالية خانقة، ثم يرسل النواب رسالة إلى الرأي العام بأنّهم لا يبحثون إلاّ عن مصالحهم الشخصية، حتى على حساب موازنة مترهلة، تكاد تسقط في أي لحظة!
كيف يمكن -بأي لغة من اللغات- أن نطالب المواطنين، الذين يكتوون يوميا بنار هذه الأزمة، أن يتحملوا غدا إعادة هيكلة سياسات الدعم وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، بدعوى أنّ الوضع الاقتصادي لا يحتمل؟!
الحكومة والقيادات العليا في الدولة مطالبون اليوم بوقف هذه الامتيازات عبر التواصل مع مجلس الأعيان، ورفض هذه "المقايضة" التي يسعى إليها عدد من النواب، وإلاّ فعلى الحكومة ألاّ تحاول –لاحقاً- حتى الحديث عن "أزمة مالية" وعن ضرورة تحمل "كلفتها" من قبل المواطنين بعد اليوم!
دعونا نخرج من هذه القصة الآن، الوقت لا يسعفنا، فهذا ما يريده بعض النواب من خلال المماطلة وافتعال الأزمات والقضايا الجانبية. ليس الشارع اليوم بحاجة إلى براهين جديدة لتحديد موقفه من المجلس الحالي، فالمجلس
–شعبياً- انتهى منذ الأيام الأولى، فلا معنى ولا دلالة إضافية تترتب على الدخول في "مساجلات" مع بعض النواب.
ليس أمامنا خيار آخر! علينا التعايش مع المجلس الحالي إلى أن ينهي وجبة التشريعات الضرورية للإصلاح السياسي، على الأقل قانون الانتخاب الذي يمثّل قاطرة العبور إلى المرحلة المقبلة، وهو ما يفترض أن يتم إنجازه في الشهر المقبل، ثم ينهي التشريعات الضرورية الأخرى، في مدة أقصاها شهران.
خيار الضغط لحل مجلس النواب لن يخدم تسريع عملية الإصلاح ولا الوصول إلى توافق على التشريعات المطلوبة، بل الضغط المطلوب على المجلس يكمن في عدم المماطلة أو عرقلة هذه التشريعات.
كان خيار الحل ممكناً قبل التعديلات الدستورية، أما الآن فهنالك آراء قانونية متعددة، تدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها. فخيار الحل سيكون مطروحاً في حال فقط أصبح المجلس فعلاً العقبة الرئيسة أمام تمرير الحزمة التشريعية المطلوبة.
الدرس المهم الذي نرجو أن نكون قد تعلّمناه (لأنه من الواضح أنّنا نعاني من صعوبات في التعلّم!) هو التفكير من قبل مراكز القرار في: كم هو مكلف تلك الطريقة في إدارة الأمور، من خلال قوانين انتخاب كارثية أو تزوير وتلاعب أو التفكير فقط في ضرب المعارضة، وإذا بنا نضرب شرعية اللعبة السياسية وصورة مؤسسات الدولة. نرجو ألا نكرّر ذلك في الانتخابات القادمة!
m.aburumman@alghad.jo
الغد