تشير أغلب المعطيات إلى أن الاستجابة للإصلاح غير جادة وبطيئة في الأردن. والسبب ببساطة هو أن الحكومات المتعاقبة عاجزة عن تحقيق ذلك، لأنها تكاد تخلو من الأشخاص الإصلاحيين الذين يؤمنون بمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، والقادرين على حمل فكرة الإصلاح والدفاع عنها ونقلها من حالة المراوحة إلى حالة الحركة إلى الأمام.
إذ ثمة غموض يعتري مستقبل الإصلاح، على الرغم من وجود التعديلات الدستورية التي تكون قيمتها بوضعها موضع التطبيق. والأساس، كما يعرف الجميع، هو أن تطبيق هذه التعديلات والقوانين يتطلب أن يكون منفذوها مؤمنين بالإصلاح لتحقيق مطالب الشارع، لكن ما يحدث هو عكس ذلك تماما؛ فليس هنالك في الأفق خريطة طريق للخروج من هذا المأزق في عملية الإصلاح، وبدا أن الحل الأمني هو السبيل الوحيد للجم حركة الشارع وتقديم طروحات عفا عليها الزمن.
وقصة العجز تبلورت بشكل حقيقي عندما تم اعتقال أحرار محافظة الطفيلة، وتوجيه تهم لهم تتعلق بقضايا حرية رأي عام، والإصرار للمرة الخامسة على عدم تكفيلهم، على الرغم من أن الدستور الأردني ينص على أن الأصل هو حرية المواطن الأردني؛ وبما أن التهم الموجهة لهم ليست متعلقة بالسرقة أو إيذاء الأشخاص، فإن القانون يشير إلى ضرورة إطلاق سراحهم. والنتائج العكسية التي تم جنيها من اعتقالهم هي زيادة الاحتقان في الشارع، وزيادة عدد المسيرات.
لذلك، فحكاية الإصلاح تقتضي ترجمتها على أرض الواقع من خلال حكومات وبرلمانات وطنية، مقتنعة بضرورة الإصلاح، تكون على أجندتها الحقيقية المسير إلى الأمام. وهذا يعني ضرورة وجود طاقم حكومي وبرلماني يؤمن بحقيقة الإصلاح وضرورته، خصوصا بعد أن فقدت الجماهير ثقتها بالحكومات وبالمؤسسة البرلمانية التي أصبحت تبحث عن امتيازات خاصة بها، وساهمت إلى حد كبير في تعطيل مسيرة الإصلاح السياسي. وكذلك النمط الانتقائي في فتح ملفات الفساد الذي انتهجته الحكومة ومجلس النواب.
هذه المعطيات التي تفرض نفسها بقوة على الشارع الأردني، ليس هنالك من سبيل إلى تجاوزها في ظل المعطيات الموجودة. والحل لهذه المعضلة يكون عبر إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتغيير الحكومة التي هي الأخرى جزء أساسي من المشكلة، فالمرحلة لا تتحمل هذا التسويف في الإصلاح.
وضمن هذه السياقات، نستطيع الحديث عن أن الإصلاح قد بدأ يتحرك. وهذا التحرك هو الذي سيقنع الناس أن الشارع لم يعد المكان الوحيد للتعبير عن همومهم وطموحاتهم، وسوف نلمس بشكل حقيقي تراجع الحراك الشعبي والعودة نحو القواعد، لأننا بذلك نؤكد أن المسيرة قد بدأت، ولم يعد هنالك مجال للتراجع عنها. وهذا يتطلب وجود أشخاص ديمقراطيين في الحكومات، مقتنعين أن الإصلاح ومحاربة الفساد هما المخرج الوحيد لحالة السبات التي نعيشها نتيجة لحكايات الإصلاح التي نسمع عنها قبل النوم!
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد