اقتصاد قائم على الشبكية والفوضى
ابراهيم غرايبه
28-03-2012 02:42 AM
هذا الاقتصاد القائم اليوم حول شبكة الإنترنت يثير أسئلة وهواجس في ظل هذه الشبكية "والفوضوية": من يتحكم اليوم بأوقات الناس ويوجه المؤسسات والمنتجين؟ هل هم المديرون والرؤساء؟ المستهلكون؟ الفنانون والمؤلفون؟ الشركات والمؤسسات الكبرى أم الصغيرة والمتوسطة؟ من جعل، على سبيل المثال، جيه. كيه. راولينغ، مؤلفة سلسلة هاري بوتر، مبدعة ثرية؟ هي أم القراء؟ ماذا لو لم تُقرأ قصصها؟ السؤال بحد ذاته ليس جديدا، ولكن البيئة المتشكلة والمحيطة بالإنتاج والاقتصاد اليوم تدعو أكثر إلى الشك وعدم اليقين، وتحول الشك نفسه إلى مصدر للمغامرة والتجربة والنجاح والتقدم.
والكوارث أيضا، أليست أزمة السوق هي في أصلها مغامرة خيالية، تتساوى تماما مع مغامرات "مايكروسوفت" و"غوغل" وأجهزة الموبايل وشبكة الإنترنت؟ فالعالم الذي يقود إنجازاته اليوم شبكة من المبدعين والموهوبين يتجمعون عبر الشبكة في الإبداع والتصميم والإنتاج والعمل المشترك والمتكامل، ويمتدون من مصممي الأزياء في نابولي إلى مصنعي الأحذية في إندونيسيا، مرورا بالمصممين والمبرمجين والمحاسبين في بنغالور، والذين ينشئون في بيوتهم وعلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة شبكة من الأعمال والعقود والمشروعات حول العالم المتسع؛ هو العالم أيضا الذي تشارك فيه جماعات من المغامرين والممولين تحرك عبر الشبكة إياها تريليونات من الأموال المتدفقة والمتحولة إلى نبضات إلكترونية تبيع وتشتري الأسهم والعقارات والمدخرات، كأن الكارثة هي ضريبة لازمة للشبكية الجميلة والمدهشة!
ففي غياب المركز والتحكم في الشبكة، يمكن أن تعمل لصالح المتحمسين من كل الاتجاهات والمشارب والأهداف والأهواء والدوافع والمصالح، فبلا هذه الفوضى لم نكن سنحصل على كل مكتسباتنا القائمة اليوم. وبمقدار خوفنا وقلقنا من كارثة الأسواق، يجب أن نبقى قلقين أيضا على مصير هذه الشبكة لتبقي مجال الفضاءات مفتوحة لا مالك لها، وتعمل خارج السوق، وتمنح شعورا بالمشاع المعلوماتي المنشئ لندوات وآفاق للعمل والنشر والتجمع والبدائل، ففي هذا الفن الإلكتروني الفوضوي الجميل، من الإذاعة والنشر والتدوين والقرصنة والتسويق، يأتي الاختراع والاكتشاف والتقدم، ويتنامى سؤال الهوية والثقافة ووعي الذات، وتظل المبادرات والمواهب الشخصية والأفكار والأعمال تملك فرصة للظهور والنجاح، وتتشكل منظومة من العدالة والحرية والمساواة تكاد تكون غير مسبوقة.
فالإبداع أو الاقتصاد الجديد، يعتمد على الهويات الفردية، ويزدهر في سياق أو كرنفال عظيم من التنوع المتاح له المجال في الحضور والتنافس.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد