يستحق المحتجون في الشوارع العربية قراءة رواية "في خانة اليك" للسويسري أيوجين, وترجمة وليد السويركي من أجل تحطيم يقينيات عدة, بالاعتماد على أسئلة "لامتوقعة" لتفكيك خطاب السلطة واحتكار الثروة.
يختار الكاتب موضوعاً يستحوذ على الفرد منذ بدايات تشكّل وعيّه, عبر طرح أسئلة تمس تكوين المجتمعات والسلطات التي تحاول تكريس إجابات راسخة لإدامة وجودها.
تنجح بطلة الرواية الطفلة ساشينكا في إرباك والدها صبيحة ذلك اليوم; لتوجيهها سؤالاً حول سبب رفع إصبعه الصغرى ليحدد كمية القهوة التي تسكبها زوجته في فنجانه, ورغم أن هذا الفعل العفوي يتكرر يومياً إلاّ أن الأب أنكر قيامه به للوهلة الأولى لعدم انتباهه.
سؤال بسيط جلَب الحيرة للأب فلم يذهب إلى العمل, وجلس في البيت ساعات متسائلاً عن سنيّ عمره الثماني والثلاثين, ليخرج بعدها ويخطب بعمّال بلدته الصغيرة, محرضاً إياهم ضد ظلم السيد رودوي, مالك مصنع العلب, الذي أسسه لتجمع من السكّان يرتهنون له في جميع نواحي حياتهم.
واصلت ساشينكا طرح الأسئلة, لتدفع شرطيي السير إلى ترك عملهما بسؤالها المتشكك حول ديمومة القوانين, ثم تحرج مدير مدرستها لسؤاله عن ماهية الورقة البيضاء.
ينتقد أيوجين نظام التعليم في تشخيصه مدير المدرسة, ويمارس الانتقاد ذاته ضد السلطة, التي يمثلها رودوي, لكن نقده الأخطر يوجهه إلى العقل الإنساني في طريقة تفكيره واستجابته للأسئلة وأجوبتها, وما تدفع به تلك الأجوبة من تساؤلات حولها مجدداً, ما يجب أن يتعلمه الطفل, لكنه يبدو مفقوداً في مجتمعاتنا ويتم إغفاله بإصرار وتعمد!
يبدع أيوجين في رسم شخصية كاشكافال, حارس المدرسة, الذي يعجب بساشينكا ويدير معها حواراً عميقاً, خاصة, في قوله: "أن الناس الاستثنائيين, لا بدّ أن يكونوا عاديين إلى حدّ ما, وأنّ الناس العادييّن هم في أحيان كثيرة, إن نحن كلّفنا أنفسنا عناء معرفتهم, استثنائيّون", مشيراً إلى "معرفة مهمة" لا نتلقاها في المدارس.
وتساهم هذه الشخصية في شحذ همة ساشينكا لتبلغ أسئلتها غايتها بتحطيم سلطة رودوي عبر احتجاجات العمال, ويقنع كاشكافال الجميع بإيداع أسئلتهم لدى ما كان يسمى مصنع برودوي, لتباع الأسئلة في أنحاء العالم, فالسؤال الجيّد من شأنه أن يزعزع الأفكار المستقرة.
يختم أيوجين روايته بالإشارة إلى عدم استخدام ساشينكا قدرتها الخاصة, لكنه يلمح إلى أنها قد تفعل ذلك مجدداً, ما دامت لا توظف قدراتها بطيش وخفة.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم