يعيش الوطن حالة مخاض بعد الربيع العربي، وحالة من التنوع الفكري التعبيري برؤى تختلف وتتنوع فيها وسائل التعبير وجميعها سلمية والحمد لله ، وهذا ما يجري في الواقع على الأرض ، وهي حالة تأثرت بالرياح التي هبّت على الوطن العربي والإقليم بشكل عام، وما يدور حولنا ضمن الدائرة الضيّقة والمحيطة بالوطن ، ولعل رسم الصورة يحتاج إلى موضوعية وحالة إدراكية تقرأ المستقبل بصفاء ،على أن تكون القراءة أمينة ، كي تفرز رؤيا صادقة وناصحة لأصحاب القرار، وحريصة على الوطن ومستقبله ، وأن تكون أقرب للحقيقة من الخيال الذي تسيطر عليه هواجس التنظير الخارج عن اللاوعي ، وأن تكون فيه الأنا متواضعة ، لا أن تتضخم في حسابات الذات ، فالوطن لا يتحمّل هواجس التنظير... والناس بانتظار النتائج الحقيقية لفعل الحكومة لا أكثر من ذلك .
حين بدأت الحراكات في الوطن على شاكلة الحراكات الأخرى في الدول العربية ، تنبّهت القيادة إلى أنّ الحالة الصدامية مع هؤلاء الشباب قد يؤدي إلى تأزيم الوضع ، وارتفاع حرارة ووتيرة النسق الحراكي ... وهذا بدوره يخلق أزمة أو حالة نحن في غنى عنها ، ولذلك كان الدور الأمني بمثابة اسفنجة امتصّت ومازالت تمتص غضب الشباب ، وكان ذلك أفضل أسلوب في التعامل مع الموقف ، لكن نتائج الحراكات شكل حالة غضب ، وهيجان أدى إلى ذهاب حكومتين ... والثالثة على الطريق لأنها سلكت دروبا وعرة .
... المريح في الحالة الأردنية ، أنّ الغالبية العظمى من الشعب وحتى من أعضاء الحراكات الشبابية ...لا تختلف على النظام ، وإنما مختلفون على ميكانيزمات الإصلاح ، فمن أين تبدأ عملية الإصلاح ؟ وما هي أضلاعها المهمة ، وركائزها الأساسية ، وكم تستغرق ؟ ، كل ذلك أدّى إلى إعادة إنتاج حالة من التوتر بين الشباب نتيجة عدم وضوح الرؤيا ، إلى أين نسير بالوطن ؟ ... وإلى متى ؟ ، ...هذه الأسئلة بمشتقاتها تحتاج إلى إجابة قاطعة مانعة ممن يحملون ملف الإصلاح ، ... فعندما بدأت حكومة دولة البخيت بتعديل وإنجاز بعض القوانين ، لم تكتمل هذه القوانين ... وظهرت فجوة بين الحكومة التي غادرت والحكومة القادمة آنذاك ، التي هي حكومة دولة السيد عون الخصاونة ،ولم تبني على ما قدمت الحكومة السابقة ، بل بدأت من جديد معلنة الحرب على الفساد دون أن ترتب أوراقها زمنيا ، وحين دخلت نفق الفساد الذي له أول وليس له آخر ظنا منها أنها قد تأسر قلوب المواطنين ، وتسيطر على ثيرموميتر الشارع .....لكنّها نسيت قوانين الاصلاح وتأخرت في إنجازها ، بحجج كثيرة منها على سبيل المثال جودة القوانين ، فتاهت مابين ما بين الفساد والإصلاح ، فانطبق عليها القول أنها لم تطل بلح الشام ولاعنب اليمن ، فأخذت تتطور الحراكات وتجاوز البعض منها سقفه ... وبدأت الأصوات تصل الخطوط الحمراء وتقفز فوقها ، فتكاثفت الحراكات بعد أن كانت أسبوعية ... فوضعت الحكومة في أذنيها واحدة طين والأخرى عجين ، ولا تستقبل نصيحة من أحد لأنها مكتفية بكفاءاتها الوزارية ، فهل تريد الحكومة أن تصل بنا إلى حافة الهاوية بحجة جودة القوانين مثلا ؟ ، وهل وضعت الحكومة في حساباتها أنه مرّعام أو أكثر على حراكات الشباب الطامح إلى تحسين الأوضاع ، والخروج من نفق مضيء أوله ومظلم آخره ، وأنّ التأخير لم يعد فيه مصلحة لا للوطن ولا للشعب ؟ ... فاتق الله فينا وفي هذا الوطن يا حكومة ، فها هو قد مضى الثلث الأول من العام ... هذا العام الذي فيه انتخابات البلدية والنيابية ولم يطف على السطح شيء ، سوى رؤى متناثرة تختلف عليها الحكومة ونفر من البرلمانيين الذين لا يرغبون إجراء انتخابات مبكرة للخروج من مأزق الربيع العربي .