منذ اليوم الأول لإعلان مخرجات لجنة الحوار الوطني، كتبت مقالاً قلت فيه: "إنّها ولدت ميتة". وكنت أقصد ما يتعلّق بالورقة المرجعية (التي اصطلح على تسميتها بالديباجة)، والنظام الانتخابي بصورة محددة.
سألني حينها سياسي مرموق عن سر التشاؤم، فأجبته: إنّها لن تجد "أعمدة" تسندها؛ فالدولة لم تكن راضية عنها، ولا المعارضة- جماعة الإخوان، وحتى بعض الذين اشتركوا معنا في اللجنة انقلبوا عليها في اليوم الثاني مباشرة، فأي صفقة تمثّل هذه المخرجات إن لم تكن الأطراف الرئيسة مقتنعة بها!
لنعترف أنّنا، نحن أعضاء لجنة الحوار الوطني، لم ندافع عن مخرجات اللجنة، ولا عن النظام الانتخابي الذي توافقنا عليه، ولم نسوّقها في الشارع والإعلام. لم نسمع صوتاً إلاّ لقلة قليلة؛ ولعل رئيس اللجنة طاهر المصري تحمل عبئاً كبيراً، والصديق خالد كلالدة الذي كرّس أغلب وقته ومهماته في الدفاع عن النظام الانتخابي ومخرجات اللجنة، بالتعاون مع النائب جميل النمري الذي لم يزل حتى مقاله أمس متمسّكاً بالنظام الانتخابي.
بعض من هاجموا مخرجات اللجنة، وساهموا في تحطيم مصداقيتها وشرعيتها في الشارع، عادوا اليوم ليطالبوا بتطبيقها! فماذا وراء هذه الصحوة المتأخرة من أعضاء في اللجنة، وهذا "التتيّم" المفاجئ بالمخرجات والتغني بها، وتوظيف ذلك لمهاجمة رئيس الوزراء عون الخصاونة واتهامه بالتواطؤ ضد المخرجات لصالح عقد صفقة مع جماعة الإخوان؟!
كنّا نتمنّى أن تكون هذه "المرافعات" عن أعمال اللجنة وعن الديباجة الموؤودة قبل هذا اليوم، لكان هناك مشروعية لهذا المنطق! وللتذكير، فإن النظام الانتخابي الذي يتم الحديث عنه شبيه تماماً بالمسودة التي أعدتها حكومة د. معروف البخيت، ونشرتها الصحف بعد رحيل الحكومة (نظام الـ89 + القائمة الوطنية بنسبة 20%). وأحسب أنّ الرئيس الخصاونة لو أعاد قراءة ما أنجزته الحكومة السابقة، وما وصل إليه مركز الدراسات الاستراتيجية لاحقاً من اتفاق بين القوى السياسية في الساحة، على نظام قريب من ذلك يحظى بالإجماع، لاختصر على نفسه وعلينا وقتاً طويلاً من نقاش مستهلك بلا قيمة!
لكن للأمانة والتاريخ، فإنّ لجنة الحوار الوطني وما أنجزته برئاسة طاهر المصري، ظُلمت كثيراً في الإعلام، وتم الحكم عليها قبل أن تبدأ، حتى من المعارضة الإسلامية نفسها، التي لم تشارك بالرغم من تلبية مطالبها كافة. وقد كنت مطلعاً تماماً على كل ما يدور في الكواليس، سواء بين الإخوان والمصري أو مع مراكز القرار الأخرى في الدولة.
اللجنة استدرجت موضوع التعديلات الدستورية ووضعته على الطاولة حينما كان "من المحرّمات"، وتمكّن عدد كبير من أعضائها من قلب الطاولة على ما جرى في 24 آذار في ميدان جمال عبدالناصر. وعلى صعيد المخرجات، كان للجنة السبق بالمطالبة بتعديلات دستورية جوهرية، وبهيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وبمحكمة دستورية، وبمبادئ محترمة للنظام الانتخابي، والأهم من هذا وذاك ورقة مرجعية ترسّم مبادئ العقد الاجتماعي الجديد، وهي ورقة لم تنظر إليها دوائر القرار في الدولة، رغم أنّها كانت تجيب عن أسئلة كثيرة نعاني منها اليوم!
لا يجوز أن نعود إلى وراء، فقد فرضنا القائمة الوطنية في النظام الانتخابي، وأقررنا عدم العودة إلى الصوت الواحد أو الدوائر الوهمية، وإدارة مستقلة للانتخابات، وتحكيم القضاء في صحة النيابة.. وهذا أهم من الاختلاف فيما إذا كان النظام النسبي على مستوى المحافظة أم الـ89، فالمهم اليوم أن تجرى انتخابات نظيفة على أسس سياسية جيّدة، أما النظام الانتخابي فمتغير.
m.aburumman@alghad.jo
الغد