في مقالٍ سابق لي عن قانون الانتخاب, كتبتُ أنَّ القانون الذي يلائم بلادنا في المرحلة الحاليَّة هو الذي يعتمد القائمة النسبيَّة على مستوى المحافظة, والذي يحافظ على توازن الدوائر بين محافظة العاصمة وبين المحافظات الأخرى.
ومنذ مدَّة التقى أربعة عشر حزباً, بعضها مِنْ أحزاب المعارضة وبعضها من الأحزاب التي تحبّ أنْ تسمِّي نفسها "وسطيَّة", في ورشة عملٍ لمناقشة موضوع قانون الانتخاب المطلوب. وقد اتَّفقتْ جميعاً, في النهاية, على أنَّ القانون الأنسب الآن هو الذي يعتمد القائمة النسبيَّة على مستوى المحافظة.. إلى جانب القائمة النسبيَّة على مستوى الوطن لثلاثين مقعداً نيابيّاً.
لا يوجد قانون انتخاب نموذجيّ يصلح لكلّ زمانٍ ومكان (ستاندرد). وقوانين الانتخاب توضع, عادةً, بالاستناد إلى الظروف السياسيَّة والتركيبة الاجتماعيَّة القائمة, لتضمن تمثيلاً نيابيّاً منسجماً مع ظروف البلد المعنيّ, ويعبِّر عن موازين القوى الطبقيَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة السائدة فيه.
والمشكلة الآن, أنَّ لدينا حكومة تحاول أنْ تمطّ عمر اللحظة السياسيَّة التي أسلستْ قياد المسؤوليَّة إليها, عبر توافقات سياسيَّة تخدم هذا الغرض.. حتَّى إنْ تمَّتْ على حساب مصلحة البلاد, ككلّ, وباقي ألوان الطيف السياسيّ والاجتماعيّ.
لقد وضعت الحكومة, جانباً, جميع الصيغ والتفاهمات, التي تمَّتْ قبل مجيئها; بل, أيضاً, جميع القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة المحليَّة الفاعلة. وتحوِّل الحديث بشأن قانون الانتخاب إلى منولوج داخل التحالف القائم بين الحكومة الحاليَّة وبين الإسلاميين وحلفائهم الأقربين, هدفه إيجاد صيغة تضمن فوز الإسلاميين بأغلبيَّة نيابيَّة حاسمة, ليضمن هؤلاء عودة الحكومة الحاليَّة, إلى السلطة, بعد الانتخابات, برعايتهم ودعمهم. أمَّا الآخرون فسيكونون مجرَّد "شاهد ما شافش حاجة".
بالتأكيد, هذا النقاش ليس كلّه محليّا; بل إنَّه يأتي في سياق الترتيبات الدوليَّة والإقليميَّة, المعروفة, لإحلال الإسلام السياسيّ في المنطقة محلّ الشرائح الطبقيَّة الحاكمة الموالية للغرب, التي اهترأتْ, ووصلتْ إلى طريق مسدود, وأصبح تجديدها ضروريّاً; لتلافي سقوط نظام التبعيَّة في البلاد العربيَّة بمجمله.
والمشكلة أنَّ إدارة الحوار على طريقة المنولوج تجعل الأطراف الأخرى, مِنْ أحزاب وقوى اجتماعيَّة وسياسيَّة وسواها, في موقف المنتظر وغير المعنيّ, إلى أنْ يحسم المتحاورون أمرهم, وعندئذٍ تنفجر المشاكل دفعةً واحدة; في حال تمَّ التلاعب, مِنْ خلال القانون الجديد, بالتوازنات الاجتماعيَّة والسياسيَّة الموضوعيَّة, لصالح مشروع سياسيّ مرفوض يجري العمل بكلّ السبل مِنْ أجل فرضه على المنطقة. وغنيٌّ عن القول انَّ هذا المشروع له تجلّياته الخاصَّة الخطيرة بالنسبة لبلدنا.
قانون الانتخاب الصحيح, والمطلوب الآن, هو القانون الذي يوضع بعد التحاور بشأنه, والاتِّفاق عليه, من جميع الأطراف; سواء أكانت أحزاب المعارضة اليساريَّة والقوميَّة, أم الحركة الإسلاميَّة, أم الأحزاب التي تمثِّل التيَّارات التقليديَّة والأجنحة المختلفة في السلطة, أم الحراك الشبابيّ والشعبيّ في المحافظات, ليكون معبِّراً عن مختلف ألوان الطيف السياسيّ والاجتماعيّ في البلاد.
مصدر الطعن في قانون الانتخاب - حتَّى الآن - هو أنَّه يحابي بعض مراكز النفوذ والسلطة في الدولة على حساب الجميع; لذلك, فبديله يجب أنْ لا يحابي أي مراكز قوى.. لا قديمة ولا جديدة. بغير ذلك, سيظلّ قانون الانتخاب, والانتخابات التي تُجرى على أساسه, والمجلس المنبثق عنه وعنها, مطعوناً فيها جميعاً; وستظلّ الحياة السياسيَّة تُراوح مكانها في مأزقها الحاليّ المزمن, مِنْ دون أيَّة بارقة أمل تلوح في الأفق.
qubailat@yahoo.com
العرب اليوم