"الإصلاح السياسي ليس أولوية"
د. محمد أبو رمان
25-03-2012 03:29 AM
يقرّ خبراء مخضرمون وباحثون كبار في مراكز التفكير الأميركية المعنية بالشرق الأوسط أنّ الإصلاح السياسي لا يمثل – حالياً- أولوية لإدارة أوباما، إذ لا تشعر بالقلق الجدّي على الاستقرار السياسي في الأردن. فبالرغم من ملاحظات سلبية متعددة تبديها وزارة الخارجية الأميركية على مسار العملية الإصلاحية ومدى جديتها، إلاّ أنّ البيت الأبيض يكتفي بما تم إنجازه وبالمسار الحالي بوصفه يحقق التزاما بالسير نحو الديمقراطية من جهة، والحفاظ على أمن الأردن من جهة أخرى.
يتوافق على تعريف الموقف الأميركي خبراء من اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة، إذ يرون أنّ هذا "المستوى" من الإصلاح (تعديلات دستورية، قانون انتخاب جديد، وعود قاطعة بانتخابات ثم حكومة برلمانية) مقبول لدى إدارة الرئيس أوباما في هذه اللحظة التاريخية، التي تكمن فيها أهمية الأردن على الأجندة الأميركية في ملفات أخرى على درجة أكبر من الأهمية، سواء ما تعلّق بالملف السوري أو الملف النووي الإيراني وما يترتب على ذلك من تهديدات الأمن الإقليمي المحتملة، في حال مضت إسرائيل في تهديداتها بتوجيه ضربة لإيران.
المزاج داخل مراكز التفكير تجاه ملف الإصلاح السياسي (في الأردن) تغيّر بصورة كبيرة وملحوظة مع انفجار الأوضاع في سورية من جهة (وفقاً لأحد هؤلاء الخبراء)، وارتباكها في ليبيا واليمن، وحصاد الإسلاميين لمخرجات الربيع الديمقراطي العربي في أغلب الدول التي جرت فيها انتخابات، مثل: مصر، تونس والمغرب، إذ ما تزال الإدارة الأميركية في حالة "استكشاف" وتعرّف على محددات ووجهة العلاقة مع الإسلاميين في المرحلة القادمة، والأسئلة المتعلقة بها، (مثل: السوق الحرة، حقوق الأقليات، الحقوق الفردية، اتفاقيات السلام مع إسرائيل، والعلاقة مع المجتمع الدولي)، ما يعني أنّ السياسة الأميركية – اليوم- في حالة ترقب للمشهد الإقليمي ولما سينبثق عنه، ما يخفف من حجم الضغط على الدول "الصديقة".
د. مروان المعشّر، نائب رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يقرّ بأنّه "لا توجد ضغوط أميركية جدّية على الأردن في ملف الإصلاح السياسي"، لكنه (ضمن حوار مطول معه ستنشره "الغد" قريباً) يلمح إلى أنّ هذه ميزة، إذ يُعرّف ملف الإصلاح بوصفه "قضية وطنية وداخلية" يتم التعامل معه ضمن الشأن الداخلي وما تتوافق عليه النخب السياسية.
بالطبع، المزاج السياسي الأميركي تجاه الأردن يخالف تماماً كل الأحاديث والأقاويل عن ضغوط أميركية لإقامة "الوطن البديل" أو "حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن". هذا لا ينفي وجود أحاديث أميركية (تتبناها نخب سياسية وباحثون) تنظر إلى ملف الإصلاح السياسي برؤية مغايرة للتيار المحافظ تقوم على "إدماج جميع المواطنين" في اللعبة السياسية، ووجود لوبي إسرائيلي (في المقابل) يضغط لإنهاء ملف اللاجئين تماما واغتيال حقهم السياسي والقانوني بالعودة، لكن هذا توصيف مختلف تماما عن تصوير ما يحدث من محاولات بناء تفاهمات داخلية على موضوع الإصلاح بوصفها "أجندة أميركية مستترة"!
خلاصة القول أنّ القناعة بأهمية الإصلاح وضرورته تنبع اليوم من الداخل حصرياً بدرجة أولى وبامتياز، من ضغوط الشارع والحراك الشعبي والسياسي من جهة وقناعة نخبة من السياسيين بضرورة تغيير قواعد اللعبة السياسية، التي لم تعد في وضعها الراهن تخدم الاستقرار السياسي أو تواجه مطالب الشارع المتنامية، فقد "جرت مياه كثيرة تحت الأقدام".
m.aburumman@alghad.jo
الغد