يشكّل القارئ ورسائله إلى الصحيفة, التي يتابعها, وتعليقاته على موقعها الإلكتروني قيمة كبرى في الصحافة الغربية, إذ يُنظر إليه بوصفه صحافياً ومحرراً وناشراً.
"قيمة" تكسّر هرمية السلطة ومركزيتها, فمشاركات القراء تلغي احتكار رؤية أو خطاب, ما دامت قدرة القارئ على تفكيكهما هي جزء لا ينفصل عن إنشائهما, وبذلك تنتهي سلطة المحرر أو الناشر وحتى الرقيب.
يرسل القراء أخبارهم وصورهم وأشرطة فيديو ينتجونها بطريقتهم إلى صحفهم, فينشرونها وربما نال أصحابها مكافآت لقاء عملهم مراسلين صحافيين, وإن لم يتم اعتمادهم بصورة رسمية.
وتلقى رسائل القراء صدى كبيراً من خلال إبرازها بعناوين وإفراد مساحات لها لا تقل في أهميتها عن كتّاب الأعمدة الأساسيين في أشهَر الصحف العالمية, وإن وجهوا انتقاداً قاسياً طال سياسة الصحيفة أو مضمون المواد المنشورة فيها.
"انتقاد" يضمن استمرار الثقة بين الصحف وبين قرائها, وتقدّم الإجابة عن جميع ردودهم: تساؤلات وانتقادات, بطريقة منفتحة لا تقلل من وجاهتها.
ويجرى إعادة تحرير بعض المواد على المواقع الإلكترونية, نتيجة إقرار محرر بصواب ما جاء به القارئ تصحيحاً لمعلومة أو نفياً لحقيقة, بغرض إشراكه بمهنة لا تتطور إلاّ بتفاعل الافكار وتلاقح الآراء, وإلاّ فقدت الصحافة وظيفتها الأساسية كوسيلة للاتصال الجماهيري.
"اتصال" يغيب عن أذهان البعض, حين يعتقدون أن النشر هو رسالة من طرف واحد, متناسين قاعدة أساسية يؤمن بها الصحافيون والأدباء والباحثون, وكل مشتغل في حقل الكتابة, بأن المادة تصبح ملكاً لقرائها بمجرد نشرها.
"ملكية" يتشارك في حملها قراء لديهم وجهات نظر متعددة, وصحافيون يجتهدون في رصد ما يجري حولهم وتحليله ونقده, ليواصل الطرفان دورهم في الرقابة على السلطة, وقراءة واقعهم في سبيل استشراف المقبل.
"رقابة" و"قراءة" لا يمكن تعطيلهما مهما حاولت الأطراف المتضررة, فالقارئ باقٍ والإعلام متغير, والصحافي مستمر, وإن تبدلت الصحف وأهواؤها.
أهواء لا تصمد أمام حصانتين: حصانة الصحافة بقرائها, وحصانتها بصحافييها.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم