كان حوارا ممتعا ومنهكا على مدار 3 ساعات تقريبا، مع الرئيس عون الخصاونة وفريقه الوزاري حول قانون الانتخاب، تحت وطأة الإحساس بقرب الحسم، حيث يندفع المخزون الفكري والثقافي والسياسي والعملي وراء كل وجهة نظر. وبعد كثير من الخضّ وحشد الحجج لمختلف الفرضيات الحقيقية أو المتوهمة، يستسلم الجميع لحقيقة العجز عن التوافق الذي يلوح باستمرار على بعد خطوة كالظلّ نلهث وراءه ولا نطوله.
أتحدث عن جلسة مساء أول من أمس، وكانت الأخيرة بين 3 جولات حوارية ضمت الأولى أحزاب الوسط، والثانية جبهة الإصلاح (أحمد عبيدات، والعمل الإسلامي، وتنسيقية المعارضة)، وهذه الجولة الأخيرة التي ضمت 4 مجموعات سياسية هي اليسار الديمقراطي واليسار الاجتماعي والتجمع الحرّ والتيار القومي التقدمي، وكلها تنتمي إلى ما يمكن أن نطلق عليه "تيار يسار الوسط". ومع أن المشاركين يمثلون طيفا تقدميا يمكن وصفه بالانفتاح والمرونة والتنور، فقد كان ثمّة توتر وشدّ يفرضه الإحساس بضيق الوقت واقتراب الحسم، فالحكومة يجب أن تقدم القانون في الأيام القليلة القادمة.
الرئيس لا يملك الوقت للتفرغ بالكامل لهذا الأمر، لكن قد يكون ضروريا تفرغ فريق وزاري طوال الأسبوع القادم لإنضاج تصور نهائي "توافقي". والرئيس لم يخف مجددا تفضيله لنظام 89 (النظام الأغلبي) ودوائر متوسطة الحجم، لكن مقترحات جميع القوى في الجولات الثلاث تحدثت عن النسبية أو صوغ نظام مختلط، والقاسم المشترك بينها هو النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، وهو مقترح لجنة الحوار الوطني أساسا. ولم يتوقف المشاركون عند التفاصيل الأخرى، مثل الكوتا النسائية، ومقاعد البدو والأقليات، فهي جوانب فرعية يمكن الاتفاق عليها بسهولة بعد حسم الصيغة الأساسية للنظام.
التوافق متحقق فقط على مغادرة الصوت الواحد والدوائر الصغيرة. وبعد شيء من الإنهاك في السجال، سأل وزير العدل سليم الزعبي أن نقدم بديلا آخر ليأخذ علينا تمترسنا على مقترح واحد. لكن لو عكسنا الأمر وطلبنا من الوزير أن يقدم بديلا آخر غير الذي ينحاز له فلن يقدر، لسبب بسيط هو أنه بمغادرة الصوت الواحد لا يوجد سوى بديلين: الأغلبي (بأكثر من صوت للناخب)، أوالنسبي (التمثيل النسبي للقوائم) بغض النظر عن التنويعات الداخلية لكل منهما. ويبدو أن الحلّ الأخير سيكون صيغة تدمج بينهما، وهو ما يجعل النظام أكثر تعقيدا بعض الشيء، لكن هذه السلبية التي لا يحبها الرئيس يمكن تحملها في سبيل قانون توافقي يحقق هدف التنمية السياسية.
الفريق الوزاري يجب أن يتهيأ لأقصى قدر من الانفتاح والديناميكية لاجتراح التوافق، وهو ما سوف يسهّل الأمر كثيرا في مجلس النواب. وبعكس ذلك، فسوف نضع مجلس النواب في مأزق صعب. ويمكن في الوقت القليل المتوفر إنجاز الصيغة الأساسية التي سترد في القانون، وهي على الأرجح أحد أشكال النظام المختلط، وترك معظم التفاصيل للنظام الذي يضعه مجلس الوزراء في متسع من الوقت بعد إقرار القانون.
الغد