عندما ينتحر الثوار .. حزب العمال الكردستاني نموذجاً؟
محمد خروب
11-10-2007 03:00 AM
كثيرة هي الثورات الشعبية التي انتهت الى فشل ذريع، جراء ضيق الافق السياسي لقادتها وميلهم الى المغامرة، والذهاب بعيداً في المكابرة رغم تواضع قدراتهم، على قراءة المعادلات السياسية القائمة او موازين القوى التي تحكم اللحظة العيانية او التاريخية التي تمر بها الثورة/ التمرد او خصومها..قد تكون الثورة الفلسطينية المعاصرة - ودائما السابقة - قد تعرضت لمثل هذا العمى السياسي او القصور عن فهم حقيقة ما يجري وربما في الخضوع لخطاب المزايدين والمغامرين واصحاب الاراء والافكار المطلقة، التي لا تؤمن بالتكتيك او المناورة وتعتقد وهماً انها مركز الكون ومصدر إلهامه..
للثورة الفلسطينية المعاصرة، وتلك التي اندلعت قبل النكبة في العام 1948، اخطاؤها وخطاياها.. كما لها انجازاتها الكبيرة والمتواضعة ايضا لكنها ليست موضوع عجالتنا هذه، بل نريد الاضاءة على حزب العمال الكردستاني التركي، الذي عاد الى المواجهة وفي زخم عسكري لافت، استطاع خلال اقل من اسبوع ان يوقع خسائر بشرية فادحة (15 جنديا) بين صفوف الجيش التركي، ناهيك عن بعض المدنيين، ما اثار الخشية من عملية انتقامية تركية، قد تطيح بالمعادلات الاقليمية الهشة التي تحكم المثلث الايراني العراقي التركي (اضافة الى الحضور الاميركي العسكري الطاغي في تلك المنطقة ايضا)..
ليس من اهمية للعودة الى المراحل التاريخية التي مر بها هذا الحزب الذي رفع شعار استقلال منطقة كردستان تركيا (جنوب تركيا وعاصمتها ديار بكر حيث لا تعترف انقرة بشعب اسمه الاكراد وتطلق عليهم اتراك الجبل) ثم ما لبث ان غير من برنامجه لينادي مؤخراً، وبعد اعتقال زعيمه التاريخي عبدالله اوجلان قبل ثماني سنوات في عملية استخبارية معقدة شاركت فيها اكثر من دولة وخصوصا اسرائيل والولايات المتحدة بعد ان تم ابعاده عن سوريا، بحكم ذاتي وباعتراف بالخصوصية الكردية والسماح باستخدام اللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في البلاد.
وذهب بعيدا وبخاصة بعد الضربة القاصمة التي لحقت به جراء اعتقال اوجلان، الى اعلان وقف اطلاق نار من جانب واحد ما ادى ليس فقط الى رفض انقرة مثل هذا القرار، وانما ايضا الى حدوث انشقاق في صفوف الحزب قاده شقيق عبدالله اوجلان نفسه واسمه عثمان اوجلان حيث بادرت قيادة الحزب الى فصله.
كل هذه التطورات حدثت قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم، وهو الحزب الذي تبنى مقاربة مختلفة لا ترقى الى مطالب الاكراد الاتراك (حزب العمال) لكنها تختلف عن تلك السياسات التي سادت طوال العقود الطويلة الماضية، حيث تم التعامل مع الاكراد الاتراك وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية دونما أي اعتراف بهويتهم القومية او الثقافية ودونما احترام لمشاعرهم وانما بالقمع والتهميش وافقار مناطقهم.
صحيح ان السياسة الجديدة التي اتبعها حزب العدالة والتنمية انما جاءت تلبية للمعايير التي وضعها الاتحاد الاوروبي كي يتم تأهيل تركيا للدخول في مفاوضات مع الاتحاد، بهدف منحها عضوية الاتحاد (بما هي حلم تركي قديم قد لا يتحقق ايضا).. إلاّ انه ايضا شكل نقلة ربما لا تكون نوعية او لا تمثل اختراقا، الا انها مثقلة بالدلالات والاحتمالات المفتوحة لتطورها، خصوصا بعد ان بدأ السماح باستخدام اللغة الكردية في الاذاعات والصحف وربما المناهج المدرسية وهو تطور لا يمكن الاستهانة به، ناهيك عن انهم اوصلوا 22 نائباً كردياً الى البرلمان التركي في الانتخابات الاخيرة.
واذا ما عدنا الى الاشهر الستة الماضية، عندما بدأ التوتر يفرض نفسه على العلاقة بين المؤسسة العسكرية وحكومة اردوغان التي ارادت ترشيح وزير الخارجية عبدالله غل لخلافة الرئيس المنتهية ولايته احمد نجدت سيزر في ايار الماضي، ثم وصول الامور الى مرحلة ما قبل الصدام، ما ادى الى اضطرار رجب طيب اردوغان للدعوة الى انتخابات مبكرة.. لاحظنا ان المؤسسة العسكرية كانت تضغط بقوة من اجل القيام باجتياح عسكري شامل لمنطقة شمال العراق بحجة اجتثاث حزب العمال الكردستاني وقد نجحت حكومة اردوغان في امتصاص نقمة الجيش واضطرت للاعلان صراحة ان الجيش يتبع المستوى السياسي وليس العكس ما اجبر الجيش على القول انه ينتظر قرارا من المستوى السياسي لحملة عسكرية داخل العراق، ولم تنطل الحيلة على اردوغان الذي كان يستعد لحملة انتخابات واسعة ادت في النهاية الى فوز ساحق له، مكنه من وضع مرشحه الاسلامي في القصر الجمهوري لاول مرة منذ العام 1923 عندما أسس كمال اتاتورك جمهوريته العلمانية التي بدأت في التصدع الآن.
اخطأ حزب العمال الكردستاني عندما قام بتصعيد عملياته العسكرية وخصوصاً عمليته الاخيرة لانه وضع حكومة اردوغان (ذات البرنامج المختلف كرديا) في موقف حرج وأضعف من مقاومتها للمؤسسة العسكرية حيث الاخيرة تريد استعادة دورها في المجتمع التركي بعد ان تراجع قليلا ولكن جوهريا من خلال القيام بمغامرة عسكرية قد تفضي الى صدام واسع مع اكراد اقليم كردستان العراق، حيث هدد مسعود برازاني ذات يوم بأن اكراد العراق لن يقفوا مكتوفي الايدي اذا ما اجتاحت تركيا حدود اقليمهم، وحيث ان جدلا دار طويلا حول الاتفاق الذي وقعه نوري المالكي مع اردوغان يمنح انقرة حق ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في داخل الاراضي العراقية، فاننا نكون امام وضع معقد لا يستبعد ان تكون قيادة حزب العمال الكردستاني التركي ارادت من خلال تصعيد عملياتها العسكرية ضد الجيش التركي، خلط الاوراق واجبار اللاعبين الاساسيين في تلك المنطقة من العالم، على تغيير قواعد اللعبة او فرض قواعد جديدة للعبة اكثر تعقيدا مما يعتقد البعض.
رجب طيب اردوغان في وضع صعب والجيش التركي في وضع المتربص وينتظر قرارا للانقضاض. اكراد العراق في وضع لا يحسدون عليه ومكاسبهم السياسية والقومية في خطر، سواء اختاروا الحياد ام واجهوا الجيش التركي..
حكومة نوري المالكي لا اهمية لموقفها ولا دور لها لانها بلا سيادة وبلا قرار وخصوصا بلا تأثير. اما الولايات المتحدة اقوى اللاعبين واهمهم فهي مضطرة في النهاية ان تنحاز الى مصالحها في تركيا او ان تضحي بها عن طريق لجمها ومنع جيشها من القيام بأي عملية ما سيثير غضب الاتراك حكومة ومؤسسة عسكرية.
ايران وحدها ستكون الرابحة فيما يبدو، كما حدث بعد غزو افغانستان واحتلال العراق.
kharroub@jpf.com.jo