قرمزية أو أرجوانية تبدو لنا درجة حالة الطوارئ التي اعلنت في فرنسا اثر حادث تولوز غريبة ومثيرة للتساؤل والمقارنة. جريمة? لا عاقل يقر الجريمة. تهدد الامن الوطني? لا احد ينكر واجب الدولة في حماية الامن الوطني, وضرورة التدابير الاستباقية, شرط ان تكون مؤقتة والى حين انتهاء التحقيق.
لكن ثمة تساؤلات لا بد ان تتحرك, كما تتحرك الدائرة التي ترتسم على شاشة الانترنت, تدور حتى اذا ما استكملت دورانها وشكلها, فتح الملف واستطعت أن تقرأ فيه فيه بوضوح
السؤال الاول: يتناول تحديدا الانتخابات الرئاسية الفرنسية, والتقليد الذي بات راسخا في هذه الانتخابات. فكلما تراجعت اسهم مرشح من المقربين الى اللوبي اليهودي, حصلت عملية "ارهابية" لشد الرأي العام الى صفه, ولشد اليهود انفسهم الى دعمه. وكلما اراد اليهود تكسير اسهم مرشح او مسؤول في السلطة, عمدوا الى عملية ارهابية, وتعالى صراخ اللاسامية, وبدأ التساؤل الصريح في جميع وسائل الاعلام: هل فرنسا لا سامية? اسلوب هو نفسه الذي يتم اللجوء اليه عندما يراد دفع قيادة سياسية الى تغيير موقف او الانخراط اكثر فاكثر في موقف يتعلق باسرائيل والعرب.
هذا ما يعرفه بوضوح متابعو السياسة الفرنسية والدور اليهودي الاشكالي فيها, منذ التحرك المبرمج والمعلن الذي امتد بعد حرب حزيران الى ان اوصل الى استقالة شارل ديغول الى عمليات منظمة التجديد اليهودي التي كان لها الدور الاكبر في عملية اسقاط فاليري جيسكار ديستان, الى عمليات كثيرة من مثل "كنيس كوبرنيكس" هدفت في حينه الى تحويل مسار العلاقة مع الثورة الفلسطينية. واذا كان الاعتراف بكل هذه العمليات والادوار, قد جاء واضحا بعد انقضاء الضجة المقصودة منها, فان سلسلة العمليات "اللاسامية" التي دبرت ضد دومينيك دو فيللوبان (وزيرا للداخلية ورئيسا للوزراء) كانت الاكثر كثافة, ولكن الاسوأ تنظيما, حيث امضينا سنة كاملة نفيق على ضجة غير عادية حول طعن حاخام, ليكشف الامن انه طعن نفسه, بعدها قتل رياضي يهودي, ليكشف الامن انه كان واحدا من خمسة رياضيين تعرضوا للهجوم, من ثم جاء حريق كنيس الدائرة الحادية عشرة بالتلازم مع وصول سيلفان شالوم الى باريس, ومسارعته الى جر رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الى الموقع, ليكشف الامن بعد ايام ان حرّاس الكنيس هم من احرقوه, واخيرا جاءت القصة الشهيرة بقصة "ماري" المرأة التي ادعت ان اربعة شباب عرب وسود تعرضوا لها في المترو, فقامت الدنيا ولم تقعد الى ان كشفت كاميرات المترو انها هي وزوجها من رتّبا الاعتداء, فخرجت على التلفزيون تعتذر للفرنسيين, لكنها لم تعتذر للعرب والسود.
ونذكر ان اطرف تعليق جاء من المسؤولين اليهود - الذين لم يحرجهم الامر - هو ما قاله دومينيك ستروس كان يومها: حتى ولو اكتشفنا ان هذه العمليات مفبركة, فان هناك روحا لاسامية في فرنسا (والبقية المضمرة لهذا التصريح, هي انه على الحكومة الفرنسية ان تثبت العكس بقرارات تصب في مصلحة إسرائيل وعلى الشعب الفرنسي ان يثبت العكس عبر خياراته الاقتراعية.
السؤال الثاني: لماذا يسمح نظام ساركوزي باعتماد الدرجة القرمزية التي تعني وقف جزء من شبكة المواصلات العامة, المدارس, ولفترة محددة وعلى قاعدة معلومات امنية من نوع: هناك مسلحون انطلقوا الى العمل وسيتحركون خلال 24 ساعة التفتيش العشوائي في جميع وسائل النقل, حظر الطيران في مناطق معينة, اتخاذ جميع الوسائل الامنية الوقائية اللازمة وسائل الانقاذ والرد,واخيرا فرض القيود على الانشطة الاجتماعية والاقتصادية? واذا كان الجواب بان ذلك لحماية الامن الوطني, وهو واجب الامن والجيش, فلماذا تساهم فرنسا في ما سمي تسليح المعارضة السورية, لدفعها الى ارتكاب المزيد من الارهاب والتخريب? ولماذا تحرض على الجيش السوري,النظامي وقد قررت هي انزال وحدات من الجيش لدعم الامن, بمجرد سقوط خمسة قتلى وجرحى في تولوز?
السؤال الثالث والاخير: سواء كان حادث تولوز حقيقيا او مفتعلا, فان السؤال عن التوقيت يبقى سؤالا مهما: لماذا جاء بعد ان فضحت وسائل الاعلام الفرنسية, والرسائل التي وزعها على الانترنت الجنرال كورفيز, حادثة اسر الجيش السوري لوحدتين عسكريتين فرنسيتين: وحدة اتصالات في الزبداني بقيادة عقيد واخرى في حمص?
العرب اليوم