الربيع العربي من مشروع السلطة إلى الدولة
د. اسامة تليلان
21-03-2012 02:00 PM
الربيع العربي من مشروع السلطة إلى الدولة
بغض النظر عن ماهية الدوافع والعوامل الداخلية والخارجية التي أسهمت واحاطت بالربيع العربي، وبغض النظر عن المسارات التي سيفضي إليها، فإن الثابت أن هذا الربيع شكل أكبر عملية إستفتاء عام على رفض الناس لاستمرار الحكم الفردي الشمولي واستمرار مشروع سلطة الفرد، فالحكم الفردي الشمولي بدأ يغادر محطة من آخر محطاته في العالم بعد أن أنتقلت الى الآن خمس دول عربية من نظم فردية وشمولية الى نظم أخرى مازالت في طور التشكل.
وبذلك تستأنف الموجة الثالثة للديمقراطية أو موجة التحولات نحو الديمقراطية طريقها في العالم، بعد ان ساد اعتقاد ان منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد شكلت استثناء غير قابل للفهم اثناء تحرك هذه الموجة في عقد الثمانينات في دول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وأفريقيا والتي انتقلت خلالها عشرات الدول من الحكم الفردي الشمولي والدكتاتوري والمطلق الى نظم ديمقراطية.
وعلى ذلك يشكل الربيع العربي فصلاً جديداً في كتاب الموجة الثالثة للديمقراطية أو إمتداداً لموجة التحولات الديمقراطية العالمية وامتدادا للوعي الثقافي العالمي بنظم الحكم الرشيدة، مع وجود فارق جوهري أن غالبية الدراسات التي تناولت التحولات الديمقراطية في دول الموجة الثالثة أشارت الى أهمية عامل النمو الاقتصادي الذي حفز التباين الاجتماعي ومن ثم أدى الى تغيرات اجتماعية ومعرفية كبيرة ونمو للمجتمع المدني صحبها توسع في الطبقة الوسطى وبروز طبقات جديدة - رجال أعمال وعمالة منظمة وجماعات مصالح وحقوق وجماعات المرأة - أفرزت تعددية ومن ثم جعلت من التحول الى الديمقراطية ضرورة وليس مجرد رفاهية، بينما في الدول العربية لم يحدث هذا النمو الاقتصادي الهائل والتحول الاجتماعي المولد للتعددية، وإنما تشكلت عملية التحول وفق بيئة أخرى تمثلت اولاً بالانفراد بالحكم من خلال تحالف الأنظمة الحاكمة وكبار رجال الأعمال وكبار العسكر والموظفين مما أسس الى بروز الفساد بشكل سافر والى الإمعان في إستخدام أدوات الحكم الشمولي وثانيا الصعوبات الاقتصادية الجوهرية، بحيث كان من شأن ذلك أن خلق تحول اجتماعي هائل أدى الى إنهيار للطبقة الوسطى والتصاقها بالطبقة الأقل وزيادة فئات وشرائح المهمشين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وانهيار جزء كبير من المنظومة القيمية الايجابية، وتنامي حضور قوى المعارضة المتشددة، لتتشكل بيئة مليئة بالقهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
الربيع العربي، وفق العديد من العوامل الموضوعية قد لا يعني إنتقالا سلساً وروتينيا نحو الديمقراطية، فإمكانية عودة الحكم الشمولي بصورة أو أخرى عبر الإيدلوجيا والجماعات ما زالت قائمة، لكنه - الربيع العربي - بالقطع يعني لحظة تحول جذري في كافة البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم العربي، بما أسس لمرحلة إنقطاع ما بين حالة وحالة، حالة تؤكد على إنتهاء مشروع الحكم الشمولي الفردي في قاموس المنطقة وتجيير الدولة ومؤسساتها وتفاعلاتها وشعبها لصالح مشروع سلطة الفرد، والإتجاه الى بناء مشروع آخر سيفضي بالنهاية الى مشروع بناء الدولة ومؤسساتها. بكل ما يحمله المشروعين من تناقض.
كل ما سبق يشير الى أن التغييرات ستستمر في أفق المنطقة وان بوتيرة مختلفة وأنه ربما لا طريق أفضل أمام النظم الحاكمة والشعوب في المنطقة للحفاظ على استقرار دولها وإبعادها عن الكلف البشرية والمادية الهائلة، سوى أن تبادر هذه النظم بنفسها الى قيادة وإدارة عملية التحول نحو الديمقراطية وبناء مشروع الدولة ومؤسساتها بدون مواربات ومقاربات جانبية، ووفق أجندة وجدول زمني واضحين.