الكرامـة .. حيث أشـرق وجه النصـر
محمد حسن التل
21-03-2012 03:42 AM
هذا اليوم، ليس ككل الأيام، في تاريخ الاردن والامة، فبمثل هذا اليوم، قبل ثلاثة واربعين عاماً، سجَّل التاريخ بحروف من ذهب ودم طهور، سيرة ملحمة عظيمة، خاضها جيشنا العربي، ضد عدو مغرور، غادر غاشم، لا يردعه خلق ولا إيمان، وسط حالة هزيمة شاملة، كانت تجتاح الأمة، من المحيط إلى الخليج، ففي فجر ذلك اليوم العظيم، كانت الأمة كلها، على موعد مع النصر، على أيدي جنودنا الأردنيين البواسل، الذين حفروا نصرهم في صدر التاريخ، بدمائهم الحارَّة الزكية، ولقنوا الدنيا كلها، درس الثبات عند الشدائد العظام، متسلحين بالايمان، وكانوا لتوِّهم، قد خرجوا من معركة، فرضت عليهم فظُلموا بها، ظلماً كبيراً.
وعندما نادى جندنا في ذلك الفجر، وهم متزنرون بالشهادة: «الله أكبر.. المنية ولا الدنية.. يا خيل الله اركبي»، كانت مدفعية جيشنا العربي، تهدر من على جبال البلقاء الأبية: «الله أكبر..»، وتدك جحافل المعتدين، لترد كيدهم إلى نحرهم، ورصاص الجند على الأرض، يمزق صدر الغاصب المعتدي.
عندما التقى الجمعان ساعتها، أدرك اليهود، أنهم هذه المرة، يخوضون حرباً حقيقية، مع جند، آمنوا بربهم ونذروا أنفسهم لأمتهم ووطنهم وشعب متعطش للنصر والثأر.
كان الأردنيون في ذلك اليوم، يتمثلون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بدر، ومن خلفه المسلمون: «يا رب.. إن تهزم هذه العصابة اليوم، فلن تعبد في الأرض بعدها أبداً». وقد نادى الأردنيون ربهم الأعلى: «يا رب.. إن هُزم الجيش اليوم، فلن يقف اليهود إلا في خيبر» على أبواب عاصمة النبوة. وكأني بأمير الجند في بدر، حمزة بن عبدالمطلب، ينادي من خلف القرون، بفرسان الكرامة: «يا جند الأردن اثبت: فالنصر قادم». وأبي عبيدة ومعاذ وشرحبيل، كأني بهم، يتململون من تحت ثراهم الطهور، تحرُّقاً لقتال اليهود، وجبريل يخفق بجناحيه، فوق رؤوس الجند، وعلا غبار المعركة، ولكن نداء «الله أكبر»، كان أعلى، وإرادة الله كانت أقوى. لقد كانت بدر حاضرة هنا، على أرض الاردن، في الكرامة، في ذلك النهار، وكأن صورتها، تبعث من جديد، وينقشع غبار المعركة، بعد ساعات شديدة ثقيلة، بلغت بها القلوب الحناجر، وإذا بوجه النصر المشرق، يطلّ على الدنيا وجيشنا العربي المصطفوي، يغسل عار أمة بكاملها، وقد سطَّر أعظم الملاحم البطولية، بدماء جنده والثقة بوعد الله تعالى بالنصر.
لم يكن العسكر الأردني يوم الكرامة، يدافع عن الأردن فقط، بل كان يدافع عن كل الأمة، بذات الوقت، الذي كان يكرِّس فلسطين، قضية أمة مقدسة، دونها خرط القتاد.
النصر يوم الكرامة، يؤكد أن الأردن، كان وسيظل، بوابة النصر وأرض الحشد والرباط، نصر الكرامة، أكد أيضاً، أن الراية عندما تعقد باسم الله، وعلى بركة الله، وبشعار «الله أكبر»، وبقلوب آمنت بربها، حق الإيمان، وخفقت بذكره، ووثقت بوعده، لا بد لها، أن تخفق منتصرة على عدوها.
إننا إذ نحتفل اليوم، بذكرى نصر الكرامة، فإننا نتذكر شهداءنا، الذين ما انقطعت ذكراهم، عن أذهاننا، ولا غاب شذى دمائهم العطرة، عن أنفسنا، هؤلاء الذين قدموا أرواحهم، على طريق التضحية والفداء، لوطنهم وأمتهم، وإذ نحيي اليوم، ذكرى هؤلاء العظماء ونصرهم المجيد، فإننا نحيّي قواتنا المسلحة، القابضة على جمر الدفاع عن وطنها وأمتها، كما أننا ننظر بعيون الشوق وبقلوب المتلهفين، إلى قباب الأقصى من بعيد، منتظرين ساعة انفكاكها من الأسرين، أسر ضعف أمتها أولاً وانهزامها، ثم أسر اليهود لهذه القباب، التي يعني أسرها، أسر أمة بكاملها.
سلام على الكرامة، سلام على الشهداء، سلام على الأقصى، سلام على الأردن.
الدستور