مفارقة كبرى أن تُخفق مشاريع إنتاجية, في مناطق الشونة الشمالية ووقاص, مموّلة من الاتحاد الأوروبي, وفق تقرير نشر أمس, كما حُرمت - كذلك سابقاً- التنمية في دولة القطاع العام قبل خصخصتها.
تعاني الأغوار, التي وُلد فيها الاسكندر الأكبر, وشهدت ازدهاراً حضارياً أيام اليونان والرومان والخلافة الإسلامية, فشلاً تنموياً ذريعاً يضعها ضمن جيوب الفقر الـ 32 في الأردن.
ويحيا مواطنون حياة بائسة, في مناطق حُرمت التطور, ولا يجدون فرص عمل, إلى جوار مدن أثرية تشهد على عظمتها وترف سكانها الأوائل, ما ينطبق على الطفيلة وذيبان والكرك وغيرها.
يعاقب الناس مرتين; الأولى من حكومات ركزت مشاريعها في مناطق بالعاصمة, وبعض مراكز المحافظات, والثانية في زمن الخصخصة ومشاريع التمويل الأجنبي, التي تعجز عن إنجاح مصنع للألبان, وشقق فندقية في بلدية معاذ بن جيل.
فشل لمصانع كان يمكن أن تُحسن معيشة المواطنين, يقابله نجاح "مضمون" لمعامل العدو, التي تنتشر في شمال الأغوار, وتوّظف أهله بأجور متدنية.
"عجز" لا يتوقف, بل يطال ما منحته الطبيعة لأبنائها, فمنذ ثمانينيات القرن الفائت تتراجع الزراعة, ما أدى إلى هجرة المزارعين لأراضيهم أو "تأجيرها" بأثمان بخسة, بعد فشل السياسات الزراعية وانتهاء الدعم لهم.
ولأن الخسارة يجب أن يتحملها طرف واحد, فإن طرفاً آخر قد ربح متمثلا بكبار المسؤولين الذين تدرّ مزارعهم, في الغور, أرباحاً كبرى, وتلقى منتجاتها ترويجاً مناسباً في الداخل والخارج.
"خسارات متراكمة" تشهد عليها تقارير صحافية أخرى تتحدث عن ازدياد معدلات البطالة ونسبة الطلاق, خاصة لدى المتزوجات من عاملين وافدين, ونقص مياه الشرب, وتفشي الأمراض المعدية...
وهرباً من "عقاب جماعي" يضطر كثيرون إلى هجرة الغور والسكن, في عمّان, ومدن أخرى, ولأن هؤلاء المهاجرين هم الأكثر تعلماً ومالاً وثقافةً, فإن مشاركتهم في الإنتاج والتنمية لن يستفيد منها الغور حتماً.
تنمية "مفتقدة" في حياة أهل الغور, لكن مفرداتها ستظل حاضرة في أحاديث مدرس تاريخ لطلابه أثناء رحلة مدرسية إلى بيلا "طبقة فحل", لافتاً إلى شواهد - لا تزال قائمة- عن إنسان عاش في هذه المنطقة, وبنى فيها أهم الحضارات.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم