لتسمح لي أم أولادي و كل الأمهات و ليسمح لي القراء الأفاضل أن أتوجه في حديثي هذا إلى أمي في هذه المناسبة الغالية"عيد الأم"، فالبوح في حضرة أمي يختلف عن البوح أمام كل النساء، فأم طلال هي الأم و هي بهذا تجمع كل الصفات الأخرى،فهي أمي و صديقتي و حبيتي و رفيقة دربي؛ بوحي هذا سيكون على شكل شريط ذكريات استرجع معها بعضا من تاريخها المشرق في تربيتي.
أم طلال يا سادة هي كغيرها من نشميات الوطن من أبناء جيلها زوجة لأحد لأفراد الشرطة القدماء الذي كانت تقتضي ظروف عملهم الغياب أشهراً عن البيت، فلم تكن الأمور كما هي الآن، لهذا كانت أطال الله في عمرها الأم و الأب في آن واحد، فكانت تعرف أين أذهب ومع من، و إذا خرجتُ عن هذا المسار و ذهبتُ إلى مكان لا تعرفه تعاقبني عقوبة التأديب و يكون جوابها لجدتي حمده رحمها الله التي كانت تدافع عني بقولها : شو أقول لأبوه إذا ضاع؟" فكانت ترى نفسها صاحبة أمانة حمّلها إياها والدي إضافة لأمومتها. هذا النمط من التربية الذي يغفل عنه بعض أباء وأمهات الآخرين الذين لا يهتمون بأبنائهم عندما يغيبون عن بيوتهم.
لم تتلمذ أم طلال على أيدي علماء التربية و لم يكن تخصصها "تربية طفل" و لكنها كانت تتفوق عليهم في تلك الفترة، فما قُدّر لي أن أكون فيه الآن هو بفضل الله و دعائها و رعايتها. فمنذ ذلك اليوم الذي رجعت فيه من المدرسة حاملا شهادة الصف الأول و أخبرتها أنني (أخذت الأولى) لم تتركني لحظة بمتابعة أموري الدراسية رغم أنها لا تقرأ و لا تكتب بل كانت تحرص أن تبقى إلى جانبي حتى أخبرها أنني أنهيت واجباتي الدراسية. و هنا أتوقف للحظة عند شهادة الصف الأول فما أن أخبرتها بالنتيجة حتى أضاء وجهها بالفرح و لكنها لم تدر ما تفعل حيال هذا الحدث الذي يعتبر الانجاز الأول بالعائلة، إلى أن مر بنا المرحوم أبو تيسير الذي شكك بأمر النتيجة بالبداية إلى أن قرأها و قال والله صحيح الأولى فاشترت لي (سفط) راحة أخذته للمدرسة. بالمناسبة هذا الشعور لم أعرفه إلا عندما أصبحت أباً حيث كنت أستدعى لحضور تكريم ابني محمد بالمدرسة.
بقيت أطال الله في عمرها تتابعني حتى بالتوجيهي و كانت لا تنام إلا بعد أن تتأكد أنني (طفيت اللوكس) ونمت. و كنت ألاحظ شوق عيونها لمعرفة ما في كتب الجامعة حيث كنت احرص على إحضار كتاب (Norton Antholgy) و أعرضه أمامها كنوع من التفاخر فتقول بصوت فيه من الفخر بابنها أكثر من الشفقة ( بتقروه كله هاظا يمه).
كان أول شيء حرصت الوالدة أن تريه لابني محمد عندما دخل المدرسة و حضرنا بالصيف هو شهاداتي بالمدرسة من أيام الإعدادي، و قالت له مشجعة (صير زي أبوك). لا أدري كم من الأمهات تحتفظ بشهادات أبنائها الذي بلغوا من الكبر عتيّاً بأدراج خزائنها.
لا أريد أن اقتبس (احن إلى خبز أمي ) و لكني فعلا أحن إلى الأيام التي كنت أجلس مقابلها و هي تخبز بالفرن لآكل من خبزها الساخن، و لأن الولد سر أبيه فقد ورّثت هذا إلى أولادي بعد أن رأوني و أمهم نجلس مقابل جدتهم لأكل الخبز الساخن. يقال أعز من الولد ولد الولد؛ نعم هذا صحيح فقد كانت الجدة تميز الأولاد عن أبيهم بالبيض المقلي بالفرن ممزوجا مع الخبز.
والدتي العزيزة
الذكريات كثيرة وفيها المر و ما أكثره وفيها الحلو بدأ من حزم الحطب إلى تعليم الجارات المقلوبة إلى كل شيء و لكنك كنت تحوليها إلى نقاط مضيئة في تربيتك لي و لأخواني و لا يمكن الوقوف عندها كلها لكثرتها.
فأي شيء بالعيد يمكن أن أهديك يا أعز مخلوق في هذا اليوم العزيز؟
كل الدعوات لك بالشفاء العاجل و أن يجزيكِ الله خير الجزاء على كل ما فعلتيه لأجلنا.
لعيونك يا أم طلال أقول كل عام و انتي بخير يا ست الأمهات.
و لعيونك أيضا كل عام و صديقاتك بالحارة أم يحيى و أم فرزت بكل خير.
و لعيونك كذلك كل عام وكل الأمهات بخير.
كل عام و أنتي بخير يا حبيبتي
alkhatatbeh@hotmail.com