خلافات حقيقية أم توزيع أدوار .. أولمرت، ليفني وباراك؟
محمد خروب
10-10-2007 03:00 AM
مع بدء مفاوضات وثيقة التفاهمات (وليس إعلان مبادئ) بين الطواقم الفلسطينية والإسرائيلية، والتي يبدو أنه تم توجيهها للإنتهاء بسرعة من جدول أعمالها المحدد، في ضوء ضغط عامل الوقت وقرب انعقاد لقاء انابوليس (هذا إذا لم يؤجل)، برزت إلى السطح سجالات وجدل إسرائيلي مثلث الأضلاع مرشح أن يستمر ويتفاقم إذا ما بدا أن هناك افتراقاً في وجهات النظر داخل حزب كاديما نفسه أي بين فريق ايهود أولمرت وفريق وزيرة الخاريجية تسيبي ليفني (رغم عدم وجود معسكر داعم لها بعد تخاذلها في مواجهة اولمرت مباشرة بعد انتهاء حرب تموز 2006 الفاشلة على لبنان والتي كان بامكانها ليفني وضع حد لمستقبل اولمرت السياسي لو أنها قررت الاستقالة أو الانشقاق عن الحزب لكنها لم تفعل).ثم بين فرقاء الائتلاف الحكومي وعلى رأسهم ايهود باراك زعيم حزب العمل وزير الدفاع، الذي يبدي تشدداً ملحوظاً ورفضاً لتقديم أية تنازلات سياسية للجانب الفلسطيني، ليس فقط لأن الرئيس الفلسطيني ضعيف وغير قادر على تنفيذ تعهداته وانما أيضاً لأن المصالح الأمنية الإسرائيلية في رأي باراك يجب ان تتقدم على كل خطوة متسرعة كتلك التي يفكر اولمرت باتخاذها.
وإذا كان من غير المغامرة القول ان وثيقة التفاهمات التي يعكف على انجازها المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون، ستكون باهتة وعمومية في مجملها لا قصد منها سوى حفظ ماء الوجه للطرفين وخصوصاً للجانب الفلسطيني الذي ابدى تشدداً واضحاً في البداية وهدد على لسان رئيسه بأن الفلسطينيين لن يحضروا لقاء الخريف إذا لم يتم التوقيع على اتفاق مبادئ واضح ومحدد في موضوعاته وأجندته، فإن من اللافت هو ان هذه السرعة في جمع طواقم المفاوضات وتغيير عنوان الورقة المقترحة التي تستهدف انقاذ زيارة كونداليزا رايس الوشيكة، والتي ارادت من خلالها الإعلان عما اتفق عليه الطرفان، على نحو يبدو انجازاً سياسياً ودبلوماسياً أميركياً، باتت ادارة بوش المنهكة والمرهقة والمتخبطة في حاجة إليه، وفي الآن عينه ارسال رسائل للدول العربية الموصوفة بالمعتدلة وخصوصاً تلك التي ما تزال مترددة في حضور اللقاء (الذي ما يزال غامضاً في موعده وجدول أعماله وقائمة حضوره)، بأن لا حرج عليهم بالحضور وأن عليهم الاصغاء لمقولة رئيسة الدبلوماسية الإسرائيلية المحنكة، فتاة جهاز الموساد العريقة، بأن على العرب ألاّ يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين.
إذا ما انجزت وثيقة التفاهمات (وهي مرشحة لأن تنجز لأنها لن تكون وثيقة حقيقية بل ستكون مصاغة بلغة عمومية وغامضة وحمالة أوجه وقابلة للتفسير والقراءة المختلفة ومليئة بالثقوب على غرار إعلان أوسلو) فإن لقاء الخريف سيعقد في موعده، ولن يخرج بأي نتائج ايجابية وسيكون مناسبة لالتقاط الصور، وأن اسرائيل وحدها هي التي ستخرج بانجاز سياسي ودبلوماسي وخصوصاً لجهة دلالات الحضور العربي والاسلامي في قاعة الفندق او المنتجع الذي ستعقد الجلسة الأولى واليتيمة فيه وسيعود الوفد الفلسطيني بخفي حنين بعد أن صدّق نفسه او اوقعها في وهم ان دعوة الرئيس الأميركي صادقة وان لديه الرغبة الحقيقية في ترجمة أقواله حول الدولتين ميدانياً فيما هو (بوش)، لم يتخذ طوال السنوات السبع التي انقضت على وجوده في البيت الأبيض، أية خطوة جادة وحقيقية في اتجاه اقامة دولة فلسطينية مستقلة رغم أن الجميع (عرباً وأميركان) صدعونا لكثرة ما اعادوا تكرار اسطوانتهم المشروخة حول ان بوش هو اول رئيس اميركي يعلن تأييده اقامة دولة فلسطينية مستقلة..
طبخة بحص هي إذاً، ولن تسفر لقاءات احمد قريع وياسر عبدربه وصائب عريقات مع الطاقم الاسرائيلي برئاسة يورام طوربوفتش عن أي نتيجة تذكر في موضوعات الحل النهائي كالقدس التي هي محور الخلاف الحاد بين الاطراف الاسرائيلية احزاباً وائتلافاً حكومياً وصحافة، لأن المعارضين لاقتراح حاييم رامون النائب الاول لايهود اولمرت والذي خوله الاخير اطلاق بالون الاختبار الاول حول الموضوع تقسيم القدس يقولون: ان على اسرائيل أن لا تسارع لتقديم تنازلات في قضايا استراتيجية كهذه (اقوال ليفني) فيما اضاف وزير المواصلات شاؤول موفاز مؤيداً وزيرة الخارجية: ان اقوال رامون تلحق ضرراً بالغاً بالسياسة الاسرائيلية بل ان كل المسار السياسي الحالي خاطىء وسينفجر في وجود الاسرائيليين في القريب..
لماذا؟.
يضيف موفاز: في غضون بضعة اشهر سيعود الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى الحوار مع حماس، وسيتفق معها على حكومة وحدة وطنية ويصبح كل ما نتحدث عنه من سلام بمثابة حرب وتقترب صواريخ القسام من القدس!!.
امام هذا المشهد الذي يكثر فيه حضور المزايدين والمتطرفين فان ايهود اولمرت لاذ بالصمت ولم يعلق بأي كلمة في النقاش الذي دار في مجلس الوزراء، فيما فجر وزير الشؤون الاستراتيجية افيغدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا مفاجأة من النوع الثقيل،عندما قال انه يوافق رامون على ضرورة تقسيم القدس لان اسرائيل ليست بحاجة الى ضم احياء عربية مثل شعفاط والشيخ جراح والعيزرية الى سيادتها، شرط - أضاف ليبرمان - ان يقبل العرب في اطار التسوية ان تكون الاحياء اليهودية بيد اسرائيل وان تظل البلدة القديمة تحت سيادتها.
اين من هنا؟.
لا تبدو المواقف المتباعدة هذه مجرد توزيع ادوار، بل هي مواقف سياسية وايديولوجية تندرج في اطار الصراع القائم على السلطة داخل كاديما حيث بدأت التحقيقات مع اولمرت في قضايا فساد ورشوة، وحيث لا تخفى ليفني رغبتها بخلافته على زعامة الحزب المتصدع (كاديما) فيما يتحيّن ايهود باراك الفرصة كي يقفز الى موقع رئيس الوزراء، وقبل ان ترتفع شعبية زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود الذي يتقدم في استطلاعات الرأي.
ماذا عن الجانب الفلسطيني؟ لا شيء سوى الكلام والتثاؤب وانعدام الخطة والرؤية الواضحة والارتباك الذي لا يسمح لأحد بمعرفة جوهر مواقفه.
Kharroub@jpf.com.jo