الاصلاح : مخاضات طويلة «وولادات» متعسرة
حسين الرواشدة
19-03-2012 02:12 AM
هل يمكن لاحد ان يتوقع بان يقبل الاردنيون “وجبة” اصلاحات مسلوقة او “نيّة” بعد اكثر من عام على المخاضات والاحتجاجات و الخروج الى الشارع ،اذا كانت الاجابة بالتأكيد:لا، فلماذا تعسرت “ولادة” الاصلاح في بلدنا ؟ ولماذا يتباطأ المسؤول في تنفيذه ويراوغ في دفع استحقاقاته ،ولماذا ايضا سبقنا غيرنا الى الاصلاح فيما هرب أخرون الى “الثورة” لانتزاعه والاسراع به بينما لانزال في المربع الاول نتقدم خطوة ونتأخر خطوتين ؟
لا اريد ان انبه الى مخاطر هذا الاصرار على اخراج الاردنيين من “مولد “ الاصلاح بلا حمص ولا حتى” كف عدس”،ولكنني استأذن بالاشارة الى عدة اسباب،اولها : ان مجتمعنا لم يحسم امره بعد للمطالبة بالتغيير واستعجاله، وحتى لو حدث ذلك فما زالت الرغبات في دائرة “القلب” واحيانا اللسان، فيما الجوارح ما زالت معطلة، اما لماذا؟ فثمة من يراهن على الوعود التي انطلقت وثمة من يتخوف من تكاليف القادم المجهول وحساباته وثمة من اختار ان يصمت او ينتظر او حتى يتوأطا لتمرير اللحظة بأقل ما يمكن من خسائر وفقا لجردة مصالح واعتبارات تختلف من طرف لآخر، واذا اضفت لذلك حالة الضعف والتصحر السياسي والفكري التي يعاني منها مجتمعنا على صعيد بنيته الاجتماعية ومؤسساته الحزبية والاهلية التي ما تزال تلهث خلف الشارع وتعجز عن قيادته او استثمار”فورته و تأطيرها سياسيا،ثم سطوة التدخلات التي تدفعه في الاتجاه المعاكس ،ستجد ان الدافعية السياسية و الاجتماعية لم تنضج بالدرجة الكافية للضغط على المسؤول لكي يتحرك نحو الانتقال الى الاصلاح بالشكل المطلوب.
السبب الثاني هو “التركة” الثقيلة من الاخطاء والتجارب الفاشلة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية،لدرجة اننا وجدنا انفسنا ام جدران عالية ومحصنة يصعب اختراقها ،لا على صعيد ملفات الفساد والعبث والاخلال بالمسؤولية التي تورط فيها كبار المسؤولين وانما ايضا لوجود مؤسسات وشبكات وتحالفات تعمل ضد اي تغيير او اصلاح بشكل منظم وتحاول بقوة ان يبقى الواقع كما هو،والاخطر من ذلك ان هذا “التحالف” تغلغل داخل مؤسسات البلد بشكل مفزع وما زال يحظى برعاية دائمة وبالتالي يصعب الوصول الى رؤوسه او جذوره العميقة.
السبب الثالث ان المزاج العام في الشارع ما زال يتراوح بين حالتين احداهما استلهام التغيير مما يراه من نماذج تأتي من وراء الحدود وتثير داخله نوعا من التحدي والشعور بالهمة والامل ،وحالة ثانية تجعله اكثر حذرا وتدفعه الى التأني والصبر خوفا من الدخول في سيناريوهات الفوضى والدم التي دخل فيها الاخرون, لكن يبدو ان هذه المراوحة لن تدوم طويلا ،ذلك انه من الصعب التحكم في مزاج الناس او ضبطه او توجيهه كما انه من الصعب معرفة او توقع اتجاهاته ومآلاته،الامر الذي يفرض استباق ذلك باصلاح ثوري يزاوج بين نموذجين:نموذج الثورة السلمية التي يشهرها الشارع ويحدد مضامينها ونموذج الثورة”المصممة” التي يفترض ان يفكر بها النظام.
ثمة سبب رابع وهو يتعلق هنا بمخاوف ما زالت عالقة داخل النظام السياسي من تغيير قواعد ومعادلات اللعبة السياسية، ومن ردود افعال”اللاعبين “ التقليديين الذين ترتبط مصالحهم بالمرحلة الماضية،ومن اشارات ومحاذير خارجية تتبنى وصفات محددة للاصلاح، وثمة ايضا شعور بالعجز من امكانية التحرك الى الامام او اختراق الواقع الذي تراكمت فيه الاخطاء،الامر الذي ولّد تراجعا في الارادة السياسية ودفع اصحاب القرار الى التباطء في دفع استحقاقات المرحلة والاستجابة لمطالب الناس.
هنالك سبب خامس يتعلق برهانات ما تزال تراود المسؤول حول قدرته على استنزاف الحراك وتشتيته والالتفاف على مطالبه الجوهرية ،او مواجهته بحلول امنية،او تشويهه وضربه تمهيدا لتنفير المجتمع منه واطفائه على الارض، لكن ثبت من التجربة – داخليا وفي البلدان التي حولنا- ان هذه الرهانات ليست صحيحة بل وخطيرة وربما تأتي نتائجها معاكسة تماما للمتوقع.
ثمة اسباب اخرى تتعلق بتطمينات خارجية او ضمانات اقليمية ،وهذه ربما تقنع البعض بان خصوصية الاردن لا تسمح له بالذهاب بعيدا في ملف الاصلاح،وتغريه بالصبر والتحمل انتظارا لمرحلة تكشف فيها غيوم اللحظة الصعبة ويعود فيه كل شيء الى طبيعته،وبالتالي لا مبرر من الاستعجال ما دام ان الامور تحت السطرة.والنصيحة التي تقدم هنا في الغالب تتعلق بالتفاهم مع الاسلاميين باعتبارهم اقوى الاطراف في الشارع ،واسترضاء القوى الاخرى المشتتة او احتوائها بما يلزم من وسائل.
لا مجال بالطبع لمناقشة هذه الاسباب،فهي بالمحصلة تعبر عن تفكير في الماضي،ولا تملك “رؤية”واضحة لما جرى بالمنطقة والعالم في العام الماضي على الاقل، وهي ثانيا تعبر عن ازمة وارتباك في ادارة المرحلة وابداع حلول تناسبها، كما انها تعكس استماتة في البحث عن حيل ومخارج وتبريرات لتمرير المشكلة لا لحلها جذريا،اضف لذلك انها تذهب في الاغلب الى عناوين خاطئة تعمق الازمة بدل ان تعمل على تفكيكها والخروج منها بسرعة.
يكفي ان اقول هنا بان ما يتغلغل داخل مجتمعنا من احتقانات ، وما اصاب عصب الناس من ارتجاجات وضغوطات بسبب انكشاف “المستور” السياسي، وتردي الوضع الاقتصادي ،وهيمنة النماذج الملهمة القادمة من حولنا ،يفترض،لا بل يجب،ان يدفعنا الى اعادة النظر في كل هذه الاسباب والمخارج والرهانات ،لكي لا نتفاجأ لا قدر الله بما لا نتوقعه ولا نريده ولا يسعى اليه الا من لا يريد الخير لهذا البلد وأهله.
الدستور