تجمّع الشخصيات والاحزاب الوسطية الذي التأم في بيت رئيس مجلس النواب قبل ايام، للاستعداد للانتخابات النيابية وتشكيل اطار حزبي وسطي، هذا التجمع صدر عن صاحب الدعوة إليه، رئيس مجلس النواب، في حديث نشرته الصحف، أن هناك توصية ستقدم إلى صاحب القرار للتمديد لمجلس النواب الحالي لمدة عام، حتى تعطى التحركات الحزبية، بما فيها الاطار الوسطي الجديد، فرصة للاستفادة من قانون الاحزاب الجديد الذي لم يبدأ مجلس النواب بمناقشته بعد، وكذلك اعطاؤها الفرصة للاستعداد للانتخابات النيابية القادمة.منطق غريب ان تنتظر هذه الاحزاب -ومعظمها فاقد لمقومات الحياة- ومعها السادة النواب ورئيس المجلس، إلى ما قبل شهور من الموعد الدستوري للانتخابات ليبدأوا نشاطهم الحزبي والانتخابي! وليكون على الشعب الاردني بالتالي التنازل عن حقه في ممارسة اختيار ممثليه وبناء السلطة التشريعية، اكراما لبضع مئات من الاشخاص يبحثون عن طريقة لترتيب امورهم، وتكوين حزب جديد او قائمة انتخابية!
من حق هذه الاحزاب والشخصيات ان تنظم صفوفها، وأن توحد جهودها، فهذا نوع من العمل السياسي الحقيقي، لكن ليس من حقهم ان يأخذوا البلاد والعباد باتجاه مصالحهم السياسية والانتخابية، حتى وان اخذت طابعا وطنيا، كونها توحيدا للعمل الحزبي ورفعا من سويته.
اذا نظرنا إلى هذه المبادرة من زاوية توحيد الجهود، فإنها تستحق التشجيع والتقدير، لأنها على الاقل يمكن ان تؤدي الى تخليص العمل الحزبي من بعض ضعفه ومشكلاته. لكن لا يجوز ان يكون لعقد اجتماع او اثنين لهذه الفعاليات ثمن تدفعه الدولة، بتأجيل الانتخابات وتمديد عمل المجلس الحالي. واذا كان هذا التيار امرا ضروريا، فلماذا لم يبدأ هؤلاء عملهم وجهدهم قبل عام مثلا، لا سيما أنهم يعلمون ان الانتخابات موعدها هذا العام؟
نخشى ان تكون هذه التحركات نوعا من صناعة المبررات التي ستحملها بعض الاطراف لصالح فكرة تمديد عمل المجلس الحالي! وهذا امر لم تخفه هذه التحركات التي اعلن رئيسها عن التوصية السابقة. وربما يكون للحديث عن "إتاحة الفرصة أمام صناعة قوى حزبية قوية" تكملة تتمثل في أن اعطاء عام من التمديد كفيل بتشكيل قوى انتخابية يمكن ان تواجه قوى انتخابية قوية، مثل الاسلاميين.
ليتوحد من يشاء، وليشكل من يشاء حزبا قويا او تيارا او قائمة انتخابية، لكن ليس على حساب حق الاردنيين الدستوري في الحصول على انتخابات في موعدها. ولا يجوز لاحد ان يطلب ثمنا شخصيا ومقدما، هو التمديد لمجلس النواب الحالي، مقابل جهد قد لا ينجح في تشكيل الحزب الموعود، بخاصة وان تجربة الحزب الوطني الدستوري المتعثرة ما زالت حاضرة.
اما الحكومة، فيفترض ان تكون ذات رؤية واضحة في مسألة الانتخابات النيابية. إذ إن امتلاك رأي وموقف، والدفاع عنهما هو تعبير عن قوة الحكومة وحضورها، وانها ليست رقما في سلسلة ارقام، بل صاحبة ولاية عامة. ويكفي الحكومة ان تردد دائما ان جلالة الملك هو صاحب القرار في اصدار الامر بإجراء الانتخابات؛ فهذا الامر صحيح، لكن الملك يتخذ قراره بناء على توصيات ومعطيات تقدمها الحكومة والجهات الدستورية، والحكومة هي اكبر الجهات واهمها. والاختباء وراء صلاحية الملك، هو نوع من التخلي عن دور الحكومة.
ونذكر اننا نقول حتى الان ان حكومة المهندس علي ابوالراغب هي التي حلت مجلس النواب السابق، واجلت الانتخابات عامين. فصحيح ان صاحب القرار هو الملك، لكن تلك الحكومة امتلكت رأيا قدمته لصاحب القرار ودافعت عنه.
في الافلام والمسلسلات يكون الغموض جزءا من التشويق والاثارة، لكن في ادارة الدول يكون هذا الغموض دليل عدم صحة في ادارة القضايا الكبرى. ولهذا، فاستمرار "الحزّيرة" شهرا بعد شهر، ونحن نقترب من موعد الانتخابات الدستوري، يدلل على امور سلبية.
في كل مجالس الاردنيين والسياسيين ثمة أسئلة منطقية: لماذا نؤجل الانتخابات؟ ولماذا هذا الخوف السياسي من قضايا خارجية وداخلية؟ ولماذا لا يملك الاردني وضوحا في تحديد خطواته؟ وهل من المعقول ان نكون في شهر شباط ولا يدري المرشحون والاحزاب والعشائر، ولا حتى رئيس الحكومة، ما إذا كانت هناك انتخابات ام لا؟ وما هي الظروف القاهرة التي ستجبرنا اما على التمديد لمجلس نواب ليس له رصيد شعبي وحصل على كامل مدته السياسية والدستورية، أو تأجيل الانتخابات مع حل المجلس والبقاء من دون سلطة تشريعية؟
السكوت من ذهب قاعدة لم تعد تنطبق على قصة الانتخابات، إذ إن الكلام الواضح المحدد هو احد معايير تماسك الحكومة ووضوح رؤية الدولة بشأن خطواتها القادمة.
sameeh.almaitah@alghad.jo