طيور الجنة .. وشياطين الارض
هديل الحليسي
18-03-2012 03:22 AM
"شلل فكري" ذاك الذي اقعدني عن الكتابة في اي شأن كان، دهرا، وها هي آلام الملائكة وعذاب المؤمنين تعيدني الى عالم الكلمات التي باتت سلاحا عقيما لا يحقن الدماء ولا الكرامة العربية المسفوكة على مذابح بني صهيون.
اعلنت وقف اطلاق الدموع وبعد توقيع المعاهدة اخللت بالعهد فعذرا ايتها الروح، فانا اعلم ان ليس للخيانة ملامح. كان قرارا اتخذته مع نهاية الحرب الصهيونية على غزة عام 2008، حين اقسمت عيوني ان لا تتعاطى الاعلام المرئي، لكني لم التزم بهذا القسم، شأني شأن كل باحث عن الحقيقة في هذا العالم.
كنت آنذاك اعمل في الترجمة في قلب قناة الجزيرة الانجليزية في غرفة الاخبار. الترجمة، تلك المهنة الجميلة المرة، احبها كحبي لدماء الشهداء التي ارتوت بها الارض الشريفة. كنت احمل سلاحي "نقل الحقيقة" واقاتل باضعف الايمان لحظة بلحظة، بصوتي احيانا وبترجمة كل آهات النساء والثكالى من جهاز الحاسوب الى يد المذيع مباشرة. وكان هذا عذابا من نوع فريد، فلا خيار ان تغلق التلفاز،أو ان تهرب الى بيتك متظاهرا ان لا شيء هناك على الجانب الآخر من الحقيقة. ولكني ادركت ان الامومة اضعفتني وبانني انسانة حتى اصغر خلية في جسدي، ،،ضعيفة لا اقو على رؤية اجساد الاطفال الصغيرة حرمت من الحركة.
عن غير قصد ورغم مقاطعتي الصحافة المرئية العربية واكتفائي بالسمعية والمقروءة وقعت عيناي قبل ايام على صورة طفل استشهد في سوريا، وجهه القمر وروحه ملائكية حصدها شيطان كائنا من كان، تاركا برائته جسدا بلا حراك وجراح لم تحتملها اضلاعه الغضة وروح خرجت الى بارئها.
اعادني ذلك الجسد الصغيرويعيدني كل يوم الى صورة رضيع اسشتهد في مجزرة قانا الثانية في تموز 2006، حرقتني دموع الام وخطت بضع سطور بلسان ذلك الرضيع ولهايته الزرقاء المتدلية من عنقه. واليوم، اشاهد النسخة العربية في سوريا وان كان الوضع مختلفا هناك الابتشابه بصمات الموت. عنوان خلاصة ذلك الالم "احضنيني" وها هو صاحب اللهاية الزرقاء يعاتب "كبار القوم" ويلعن صمتهم بوجه "الشيطان" لدى رحيله الى عالم "طيور الجنة" الابدي.
مرة اخرى ....
تأخرتم ... وكعادتكم، لم تقبلوني على جبيني قبل ان انام
لم تروا ضحكتي الجميلة تجوب انحاء الملجأ ليلا قبل ان انام
وضعت امي لهايتي في فمي وابتسمت في وجهي وكان آخر جمال رأيت
قبل ان انام
امي لم تتركني ...احبك يا ماما
لم تتركني يوما وحدي وها هي تذهب معي حيث اللا عودة
ذاهب انا من حيث اتيت، حيث لا اصوات دوي تيقظني من النوم
لا دموع اراها على وجه امي او تذرفها عيون جارتنا ...
بصراحة، لن اشتاق لكم ولا للمساحات التي تسكرون في أرجائها
فانا لم اقض في أرضكم زمنا طويلا
لن افتقدكم، كلا، لن افتقد سوى سريري واقراني الذين كنت سالعب معهم يوما.....
لا تخافوا ...لن اشعر بالملل، فلهايتي معلقة على صدري
سالعب واطير، فانا ذاهب الى حيث جبال السكاكر وانهار الحليب والعسل
الى حيث السماء الزرقاء، بلا دخان او اجسام كبيرة تبصق نارا وموتا
سانعم بالامان الذي عجزتم عن اهدائه لي في عيد ميلادي
سعيد جدا انا يا امي..فالله معي وانت
رحلت معي ولم تنس ان تاخذي قصص ما قبل النوم التي كنت ستحكيها لي يوما ...
ولا اعلم ان كنت ستحكي قصصا من كتاب، ام ستقرأين جدران الملجأ
اشفق عليكم يا "آل ابي لهب" فانتم الجبناء، الفئران التي كنت ساقفز فرحا واثارة لرؤيتها
لم ادرك من قبل انكم انتم الضعفاء
كما لم ادرك من قبل ان تلك العصافير الكبيرة في السماء
ستغلق فمي بعد ان انام
وبانني لن اقو على السير او تذوق لهايتي الزرقاء
رحلت اجل .... وذهبت بعيدا عنكم
سعيد انا لرحيلي عن محيطكم القذر
ساشتاق فقط الى بيتي ولعبتي المفضلة وشوارع قريتي التي كنت سامشي فيها
ساشتاق اليك انت ايضا وجدا، يا مدينة اخوتي واصدقائي ..
احبك انت وامي وابي واخوتي....
فتعالي معي....يا قانا......
ارقد يا طير الجنة وتأكد ان الشيطان الذي اختطف جنتك على الارض موعود بان لا يدخل جنة الخلد ابدا، هو وعد الهي..... ووعد الله حق.
H_huleisy7@hotmail.com