بين النخب يُقال إن المملكة أجرت عددا من الإصلاحات السياسية خلال العام الماضي، وتوجت بالتعديلات الدستورية ووضع صيغة لقانوني الأحزاب والهيئة المستقلة للانتخابات، وأهم من ذلك فتح كثير من ملفات الفساد التي طالما شغلت الأردنيين، فماذا يريد الناس أكثر من ذلك؟.
وبين النخب يُقال أيضا إن الاستمرار في المسيرات الأسبوعية يربك العمل والإنجاز، ويكلف الخزينة ملايين الدنانير، وإن المضي للأمام يتطلب أن يعود الناس للجلوس في بيوتهم لحين الانتهاء من العمل بهدوء.
الظاهر أن النخبة التي تخطط للبلد مرتبكة، ومترددة، ومتقلبة، ففي مرة تقرر استخدام الأمن الناعم وتوزع المياه على المعتصمين، وفجأة ترى أن من الأفضل اللجوء للأمن الخشن، واعتقال الشباب، وتارة تجدها تنظم مهرجانات ومسيرات مضادة للإصلاح تُستخدم للإساءة لمن يطالب بالإصلاح قولا وفعلا.
والنخبة تتخبط في تطبيق فكرة سيادة القانون وتكريس دولة المؤسسات؛ إذ تجدها تمضي حتى النهاية بتساهل مع من يسيء للحراك، وتصحو فجأة لتقرر اعتقال الشباب بتهم متباينة، والحجة أنهم يسيئون إلى هيبة الدولة.
وفي لحظة ما تتنازل الدولة عن تطبيق القانون لتجدها تخضع لضغوطات عشائرية وشعبية مورست أكثر من مرة لتكفيل متهمين بالفساد، ما يؤدي إلى تكسير فكرة دولة المؤسسات والقانون.
المزاجية الرسمية المتقلبة في التعامل مع الحالة السياسية واضحة، ونتائجها خطيرة، وتحديدا لدورها في توتير الشارع، وخلق حالة من عدم اليقين حول النوايا الرسمية للإصلاح، في ظل الرسائل المتناقضة التي توجه للمجتمع.
وحالة المد والجزر الحكومية في التعامل مع الحراك تجعل إقناع الشارع بحسن النوايا الرسمية مسألة صعبة، نتيجة الأحاسيس المتفاوتة التي تتولد لدى العامة بسبب التقلبات الكبيرة في سياسات التعاطي مع الحراك.
أخطر ما تم خلال الفترة الماضية تلويح الجهات الرسمية باستخدام الأمن الخشن مع الناشطين وبدء حملة الاعتقالات التي طالت عددا من أبرزهم، الأمر الذي خلق حالة استنفار قصوى لدى الناشطين، وأدى إلى رفع سقوف شعاراتهم.
في رصد آليات التعامل الرسمي مع الحراك ما يستفز، لدرجة يطرح معها سؤال بسيط يدور في عقول الناس، ما الذي يضطر أصحاب القرار إلى سلوك هذه الطرق الملتوية، والتي لا تؤدي إلى النتيجة المطلوبة، وكأنهم يصرون على استفزاز الناس وإثارة الشكوك حولهم، رغم أن الحل والمطلوب بات سهلا ومعروفا.
ركائز وصفة العلاج بديهية، وصار يعلمها الصغير قبل الكبير، المطلوب محاربة حقيقية لرموز الفساد، محاسبة كل من استخف بمصير البلد وثرواته ومقدراته معنويا وماديا، ورحيل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة لفرز مجلس يحظى بالنزاهة وعدم الطعن بشرعيته.
أخذ هذا الطريق أفضل بكثير من استفزاز الحراك الذي يتجه للتصعيد، ولمواجهة لا تصب في صالح البلد، ولا تخدم أجندة الدولة في عبور عاصفة الربيع العربي وفق رؤية وطنية وخصوصية لم تتوفر لدول أخرى.
من خطط للتصعيد ضد الحراك أخطأ مجددا في قياس المزاج العام، وكأنه غريب عن الأردنيين لا يفهم لغتهم وعقليتهم وشعورهم بالظلم وانتهاك كرامتهم وغياب العدالة، وهو إن مضى في طريقه هذه لن يجلب للبلد إلا الكوارث.
الحراك اليوم يعتمد على ردود الأفعال، والتصعيد الرسمي ضدهم لن يهدئهم أو يرهبهم أو يقعدهم في بيوتهم، بل سيجلب مزيدا من الإثارة، وما شهدناه من تصاعد في عدد المسيرات التي جابت المملكة وثقل الشخصيات التي شاركت فيها، وخروج مختلف التيارات والقوى السياسية، ليس إلا دليلا على أن العنف لن يجلب إلا مزيدا من العنف، فرجاء لا تستفزوا الناس. هل وصلت الرسالة؟.
الغد