سعد السعود يبعث في عصر الإنترنت
ابراهيم غرايبه
16-03-2012 02:31 AM
"دنيا معاش للورى حتى إذا/ جلي الربيع فإنما هي منظر" أبو تمام حبيب بن أوس الطائي.
يبدو فصل الربيع مميزا هذا العام، ولكن لم يعد لدينا زراعة ومجتمعات واقتصادات زراعية تحتفي به. فقد كانت الفصول الأربعة، والطقوس والرموز المرتبطة بها، شأنا زراعيا، مستمدا من الحضارة الزراعية ومجتمعاتها واقتصاداتها وثقافاتها. وأتت الثورة الصناعية على معظم، إن لم يكن جميع ما تشكل حول الزراعة؛ المدن والبلدات والعمل والعلاقات والثقافة والفنون والطقوس والرموز والاحتفالات، وما تبقى ليس سوى ذكريات بعيدة أصابها التشوه!
ولكن يبدو أن شبكة الإنترنت تعيد إلى الربيع مكانته من جديد، وتضعه في قلب حياة الناس ومواردهم وعلاقاتهم. ثمة فرص وآفاق ووعود كثيرة تحملها الإنترنت تغير حياتنا، وتعيدنا إلى الزراعة مع تقنية متقدمة.
ففي التواصل العالمي المدهش والمتاح اليوم، يمكن أن تتغير أساليب الحياة وأفكارها. إذا كان عملك يمكن إنجازه عبر الإنترنت، فلماذا تقيم في المدينة، لماذا لا تقيم في الريف أو الضواحي والأطراف، فتمتلك بالإضافة إلى عملك مزرعة صغيرة؟ ما الأعمال الجديدة اليوم التي يمكن إنجازها عبر الإنترنت؟ وإذا كان ثمة فرصة لتعليم متقدم وراق عبر الإنترنت، فلماذا نحتاج أن نرسل أبناءنا إلى المدارس والجامعات، ونحن قادرون على توفير أفضل فرص التعليم في البيوت؟ ومن ثم، ألا يمكن للأسر أن تعيش وحدها في أي مكان، وتتعلم وتعمل في الزراعة في الوقت نفسه؟ كيف سيكون تصميم البيوت والطرق والمدن والأحياء وفقا للتغير في الحياة والعمل المتجه إلى الاستقلالية والفردية؟ أليس هذا مؤسسا لعودة البيوت التقليدية عندما كانت أمكنة عمل وحياة طويلة متواصلة، بأحواشها ومخازنها ومستودعاتها وملحقاتها؟ وإذا كان ممكنا التواصل الاجتماعي عبر "فيسبوك" و"سكايب" و"ماسنجر"، ألا يؤسس ذلك العودة إلى الاقتصاد الأسري وتراجع الحاجة إلى التقارب الجغرافي في الإقامة والحاجة إلى التزاور واللقاء الفيزيائي؟
العلاقات الاجتماعية الناشئة عن هذا الأسلوب في الحياة، التعليم والعمل والحياة الأسرية، أليست عودة إلى الأسرة كما كانت في المجتمعات الزراعية؟ والتغير في دور الحكومات ورعاية الدول لمجتمعاتها ومواطنيها مع الفرص الجديدة، ألا يدفع باتجاه الاعتماد على الذات في توفير الغذاء وأساسيات الحياة؟ ولم يعد ثمة ما يمنع ذلك، بل قد يكون مفضلاً وربما حتمياً، وبخاصة عندما تختفي أعمال ومهن كثيرة، ويكون الإيراد معتمداً على الإنتاج الذاتي والعمل بالخدمة أو بالقطعة. وهكذا سيعود المجتمع الزراعي مصحوباً بتقنية متقدمة.
في فيلم "آفاتار" الذي حظي بمشاهدة وإقبال غير مسبوقين، تنتصر الزراعة على الصناعة. هذه ببساطة هي قصة الفيلم. بالطبع، فإنها مجرد مشيئة لكاتب أو مخرج، ولكنها رغم ذلك قوية ومؤثرة، وربما غالبة وقاهرة، كأن الزراعة هي النهاية المنطقية للحياة، وكأن التقنية والتقدم العلمي يسيران بنا إلى الزراعة.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد