بالمال السياسي و شراء الاصوات يباع الوطن
د.عبدالفتاح طوقان
09-10-2007 03:00 AM
حقاً عجيب أن نرى نواباً و وزراء اعتلوا المناصب التنفيذية و التشريعية عبر بوابة المال الساخن في الانتخابات.
و الأعجب أنّ هذا يحدث في كل انتخاب، و في كل وزارة، و يمتد الى النقابات ايضا؛ فالحملات النقابية في مجالس سابقة اعتمدت على وصول شيك او مبلغ مالي لدعم كتلة على حساب الاخرى، و على رسائل وُضِعت تحت الأبواب من خلال تنظيمات خارجية، أمّا النواب فتلك قصة اخرى.مرشح دفع خمسين ديناراً يومياً لكلّ مَن كان في حملته الإنتخابية حتى أصبح نائباً ثم وزيراً، و آخر شارك مسؤولاً أوصله الى الوزارة و لم تكن هنالك منافسة عادلة في دوائر بعنيها حين وصلت حملة مرشحيْن الى اكثر من خمسة ملايين دينار، و حملات أخرى اهتمت بتوزيع المناسف و الشنط المدرسية و البطّانيات و تسديد ديون و دفع كمبيالات؛ بل إنّ أحد المتوفين دفع مائتي دينار لكل ناخب؛ مائة قبل التصويت و مائة بعده.
و بالإمكان سرد أكثر من ذلك، و ذكر الأسماء التى يعرفها المواطن و الداخلية معاً؛ و لكنّ أحداً لم يهتم بما حدث، و تمّ التغاضي عبر بوابة أكبر من اللوم و الانتقاد.
الإنتخابات لا تفرز الأفضل و لا الأقوى أو الأحسن أو الأكثر انتماءً؛ و إنّما هي لمن يملك المال الأكثر في غالبية الاحوال؛ حيث التنظيمات العقائدية، على سبيل الذكر لا الحصر، لها تمويل يحمل مرشّحيها إلى مجلس الأمّة، و من جهة أخرى، التنظيمات الخارجيّة هي الأخرى لها مرشحون محسوبون عليها و تدفع لحملاتهم، في حين أنّ ابن الوطن الذي يفكر و يعمل جاهداً لأجل الأردن هو آخر من يتمكن من الوصول. إنه سباق غير متكافيء في حملة مالية مسعورة، يعوضّها بعضُهم من خلال شركاتهم و مناصبهم بعد القفز إلى قطار السلطة.
هنالك تيّار يرى أنّ المجلس لا يفعل شيئاً، و بالتالي الإستفاده من المرشّح أفضل من الإنتخاب بلا أمل، و تيّار آخر يرى في ذلك إفساداً و فساداً للحياة البرلمانية، و لكنْ في النهاية المال هو الذي يحكم في تسعين بالمائة من الحالات، باسثناء نواب بعينهم أو عشائر في مناطق يتم الاتفاق عليها قبل الترشيح و الترشّح.
الديمقراطية الحقّه هي في وجود أحزاب و برامج و رقابة على مقادير الصرف و المال و المدد، حيث إنّ هنالك أفراداً حملاتهم الانتخابية بدأت منذ أشهر، و رافقهم وزراء في الحكومة الى مناطقهم؛ بل إنّ بعضهم استلم وعوداً بالنجاح، و إنْ كان ذلك مثل وعود مفاتيح الجنة و النار.
الأردن بحاجة الى نواب مثقفين، قارئين، مطّلعّين، متابعين، لديهم برامج قابلة للتطبيق؛ لا شعارات فارغة أو اسطوانات متكررة عن البطالة و الفساد و قضية فلسطين و العراق و الدين. لقد شبع المواطنون من تلك الأكاذيب و الترّهات التى لم تأتِ للأردن الغالي بشيء. و في الجانب الآخر، شبعَ المواطنون من تعبير "نحن مع الأردن ملكاً و شعباً"؛ فهذا ليس جديداً، فالكلّ مع الملك و الشعب، و لا فضل لأحدٍ على أحدٍ من خلال حب الملك و الشعب؛ فكلّنا للأردن أولاً. نريد شيئاً جيداً و مميزاً و قادراً على تحويل الأدرن إلى الدرجة الثانية، و نقله من مصافّ الدول ذات الدرجة الثالثة في منظقة الشرق الاوسط. و هذا ليس بغريب و لا مستحيل.
أكثر من مائة نائب في دولة ميزانيتها مرهقة، و مثقلة بالديون، و اقتصادها بحاجة إلى وخز الإبر. تكاليف النوّاب السنوية تتجاوز مائة مليون دينار، غير الوقت الضائع، و لا يحقّ لهم مناقشة بنود الدستور أو تعديلها، فلماذا هذا الهدر؟ لأجل كلمة "ديموقراطية" فقط؟ التفكير من جديد في ديمقراطية إلكترونية أفضل بكثير من الديمقراطية بشكلها الحالي، و التقسيم و التخصيص و التذكير و التأنيث مرحلة يجب أن يُقْفَز عنها في أردن المستقبل .
احسنت وزارة الداخلية في وضع دليل الترشّح و الإنتخاب، و تلك مرحلة أولى لا بد و ان يتبعها فكراً متطوراً أشمل من مجرد حمل لقب نائب أو وزير؛ فكلاهما لا يعني لنا شيئاً في عصر العولمة و عبور القارات و مدارات الإتصالات و التقنيات الحيوية .
عندما يكون هنالك صرف و قبض، و باصات تنقل، و ديون تسدد، و أميّة سياسية تترشح، و كوتات و حصص، فإنّ من يتبع هذا يبيع أغلى وطن في العالم، تراب الأردن الذي يجب أنْ يتميز دوما بابنائه كما هو مميز بقيادته الهاشمية.
aftoukan@hotmail.com