بعد محاولات تهويد الأرض .. تهويد البشر
حمادة فراعنة
15-03-2012 01:40 PM
لست مؤرخاً في علم الأجناس، لأدقق في استخلاصات نظرية الارتباط التي جاء بها عدد من الكتّاب والمؤرخين والسياسيين الإسرائيليين: تسفي ميسناي وأوري سمحوني ومردخاي نيسان وبنيامين تسدكا، والذين وصلوا إلى نتيجة مفادها أن الفلاحين في قرى الضفة الفلسطينية هم من أصل يهودي، وأنه "آن الأوان بعد ألفي عام من لقاء الإخوة، أن تتم إعادة توحيدهم بعد عداء طويل (بين اليهود والفلاحين الفلسطينيين) وأنه لا يرفع أخ على أخ سيفاً وفق القيم اليهودية"، وذهب هؤلاء وغيرهم، ليس فقط إلى ذكر أسماء قرى فلسطينية عديدة، على أنها موطن يهود بل وأن سكانها ينحدرون من أصول يهودية، وذكروا عائلات عربية فلسطينية بعينها على أنها تنحدر من أصول يهودية.
لست مؤرخاً، حتى أدقق في الأعراق والأجناس، ولكن بكل تواضع الإنسان الذي يحمل هّم شعبه ويتلوى لعذاباته، ويعمل محاولاً على إنهاء معاناته، واستعادة حقوقه ونيل فرص الحرية والعيش الوطني الكريم على أرضه فلسطين، ألتقط ما قدمه هؤلاء من المؤرخين والكتاب والسياسيين، وأقول إن ذلك ليس مستغرباً، طالما أن هذه الأرض كانت ملكاً للشعوب المتداولة التي سكنتها ومرّت بها الحملات المتعاقبة، والديانات التي ولدت من أرضها اليهودية والمسيحية والإسلام على التوالي، وهذا ما نؤمن به نحن الذين ننتمي إلى الشعب العربي الفلسطيني، وإلى الديانة الإسلامية، فنحن لا نكره اليهود لأنهم جزء من شعبنا العربي، ولا نكره اليهودية لأنها جزء من عقيدتنا، بل نكره الاستعمار سواء جاء بلباس عربي أو أجنبي، سواء كانت مصادره إسلامية أو مسيحية أو يهودية.
فالفلسطيني يؤمن إيماناً راسخاً بأن شعبنا العربي الفلسطيني ليس مسلماً وليس مسيحياً وليس يهودياً، بل كان وما زال من المسلمين والمسيحيين واليهود، والتعايش بينهم كان نموذجياً قبل الحركة الصهيونية ونشاطها الاستعماري الاستيطاني على أراضي الفلاحين الفلسطينيين العرب من المسلمين والمسيحيين وطرد قطاع واسع منهم بفعل تلك الهجمة الاستيطانية والتي تنشط فعالياتها المدمرة اليوم في القدس بشكل خاص وباقي أراضي الضفة الفلسطينية بشكل عام، وتستهدف سكانها وأهلها غير اليهود.
ونحن كمسلمين نؤمن بالديانات الثلاث، ونحترم أتباعها ونصون مقدساتها، وهذا واجب ديني نلتزم به، وليس رغبة ذاتية انتقائية، لدى أي منا، فالنبي إبراهيم عليه السلام بالنسبة لنا هو أب لكل الأنبياء، وقد انعكس هذا التراث العقائدي، وهذا التاريخ الواقعي على فلسفتنا السياسية وقرارات مؤسساتنا الوطنية، فلم يكن عبثاً ولا صدفة أن سفير منظمة التحرير الفلسطينية في النمسا كان يهودياً إسرائيلياً، ونجاح أوري ديفيز في أن يكون عضواً عاملاً منتخباً في المجلس الثوري لحركة فتح من المؤتمر السادس الذي انعقد في بيت لحم 2009، ووجود مقعد ثابت في المجلس التشريعي الفلسطيني ليهود نابلس السامريين، دلالات رمزية على مدى مصداقية التوجهات الوطنية الفلسطينية نحو الشراكة والتعايش اللذين دمرتهما السياسة الرسمية الإسرائيلية وهجماتها الاستيطانية ذات الطابع الاستعماري في الحصول على أرض الفلسطينيين عنوة وتدمير حياتهم وسلب حقوقهم وجعل أرضهم طاردة لسكانها، تحقيقاً للشعار الصهيوني، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
لست من علماء الآثار، ولست باحثاً في علم الأجناس، ولذلك أترك للعلماء والمختصين ليدللوا أو يتأكدوا أو يدققوا بمدى صواب ما وصلت إليه استخلاصات دعاة نظرية الارتباط، ولأنني من المتابعين والمراقبين للشأن السياسي، والعاملين على استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني المنهوبة وأجهد كي تنتهي معاناة الشعب الفلسطيني وعذاباته، أقول لهؤلاء ولغيرهم، أظهروا الود بدلاً من الكراهية، والتضامن بدلاً من النكران، وإرساء قيم الشراكة والتعايش بدلاً من إلغاء الآخر وطرده، فالمؤسسات الفلسطينية كافة تبنت الدولة الديمقراطية الواحدة على كامل أرض فلسطين – إسرائيل، كي يعيش عليها الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي ودولة يتساوى فيها اليهود مع المسلمين والمسيحيين، دون تمييز وعداء، بعد أن فشل الطرفان في إنهاء بعضهما بعضاً على الأرض الواحدة، أرض المقدسات والأنبياء، لتكون دولة واحدة وعاصمتها القدس الواحدة ذات القيم والحضور العربي الفلسطيني، الإسرائيلي العبري، من المسلمين والمسيحيين واليهود بمساواة واحترام متبادل.
مطلوب من هؤلاء، بما يمثلون، وبما يؤمنون، وبما يتطلعون أن يقدموا الخير والود والتضامن مع الطرف الضعيف المظلوم، حتى يظهر الفلسطيني على حقيقته كإنسان متحضر عاش وتربى على التعايش وعلى الأخوة الإسلامية المسيحية اليهودية.
ما يقوم به المستوطنون، بدعم من المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وبغطاء وتحريض من المؤسسة الدينية العقائدية اليهودية، لا يترك مجالاً للصلح أو للتعايش أو لاستعمال العقل، بل يدفع نحو ردات الفعل العنيفة كي تؤدي دورها، بسبب الظلم وبالإحساس بالضعف من قبل الفلسطينيين الفقراء بإمكاناتهم المتواضعة وصدورهم العارية.
هؤلاء وغيرهم مطالبون بالعمل والقول وإبداء الرأي والموقف لردع المستوطنين عن مواصلة برنامجهم التدميري للقرى الفلسطينية التي يدعي أصحاب نظرية الارتباط أن أهلها هم من أصول يهودية، وأنهم إخوان لا يجوز رفع السيف أي العنف والقتل والتدمير ضدهم، وعليهم العمل من أجل إعطاء فرص التعايش والقواسم المشتركة وصولاً للسلام، بدلاً من الاستيطان والاحتلال والاستعمار.
نحن شعب واحد، يمكن أن يكون ذلك، مع صعوبته، ونحن من أصول واحدة، رغم صعوبة تقبله، ومع هذا لا خيار للشعبين سوى فرص الحياة المشتركة في دولة واحدة ديمقراطية، لقوميتين، متعددة الديانات من المسلمين والمسيحيين واليهود تحكمها نتائج صناديق الاقتراع، أو دولتين متجاورتين تتعاونان في عناوين كثيرة، بدلاً من الموت والقتل وإلغاء الآخر.
لسنا عنصريين حتى نقول لا يمكن لدماء يهودية أن تجري في عروقنا، فاليهودية عقيدة ودين، يمكن أن يقبل بها إنسان ويرفضها إنسان آخر مثلها مثل الإسلام والمسيحية، بل وثمة عقائد وأفكار يُؤمن بها البشر أكثر من أتباع الديانات السماوية الثلاث، كالبوذية وغيرها من العقائد "الدينوية" في شرق آسيا وقبائل إفريقيا.
انتصار قيم العدالة والخير والسلوك السوي في التعامل مع الآخر هو الأساس، وكما يُقال لدى شعبنا "الدين المعاملة" وليس الادعاء بالحقيقة ونفيها عن الآخر، ولذلك ستبقى نظرية الارتباط بلا معنى حينما لا تتوج بسلوك من أصحابها يرفعون من خلالها مواقف مؤيدة لهؤلاء الفلاحين الفلسطينيين، ورافضة لكل ممارسات الاحتلال والتوسع على حساب إخوان لهم يمكن أن يكونوا أحفاداً لعائلات يهودية مضت .
h.faraneh@yahoo.com