عفوا ًعطوفة معالي سعادة دولته!!
سليمان الطعاني
14-03-2012 07:22 PM
ما يزهدك ويثير حنقك وقرفك وأنت تدلف أروقة مكاتب مؤسساتنا الحكومية على مختلف مستوياتها وحتى الخاصة منها ووزاراتنا ....الخ ، تلك الألقاب التفخيمية والتعظيمية والتسمينية والتطبيلية، لرئيس المؤسسة أو مدير الدائرة أو العاملين عليها وحتى المؤلفة قلوبهم، يطبل له بها كل العاملين في المؤسسة من الصغير حتى الكبير.
هذا الشخص يحمل لقب معالي! وذاك عطوفة! وهذا دولة! وفلان سعادة! وعلان فخامة! وهؤلاء أصحاب السيادة!
وأصحاب الذوات والعطوفة والسماحة!!! وما إلى ذلك من ألقاب تبعث على الأسى والاكتئاب لأنها تخلو عند أغلب حامليها من مضامينها وتصعد بهم إلى حد الخيال والسحر، بحيث يصبح الحليم فيهم حيران، فيفقد صوابه عند مناداته بأحد هذه الألقاب، ولا يشعر بما يقترفه بحق منصبه وبحق الآخرين من انتهاكات وظلم، لدى مراجعتك لمكتب صاحب المعالي يجب عليك أن ترتدي له لباس المسكنة وأن تخفض له جناح الذل والمنقصة وتستجمع ما تيسر لك من تلك الألقاب في ذاكرتك وتعرف كيفية رميها بين يدي معاليه بين الفينة والفينة بكل تواضع وانكسار، حتى تخرج مكسور الخاطر.
إنها أزمة ألقاب يعيشها الكبار تبعث على الاكتئاب، أو جوع مناصب، الألقاب تتكلم في القرن الواحد والعشرين وليس الأفعال والإنجازات! في ظل ثقافة الألقاب التي تتجذرعندنا يوماً بعد يوم، نمت فلسفة النفاق والتزلف والتسلق ... وراح الصالح بسعر الطالح، وضاع العمل والإخلاص واندثرت معها المروءة والكرامة، لقد جَرَّتْ علينا هذه الألقاب الخطرة أمراضاً اجتماعية خطيرة من التذلل والنفاق وهزِّ الذنب ومسح الجوخ والأحذية، والمدح الكاذب لاقتناص الفرص من معالية ومن دولته ...الخ .
في ظل ثقافة الألقاب وفن التزلف والتملق تلاشى الإبداع عندنا على عتبات مكتب معاليه، وماتت روح المبادرة على مذبح النفاق عند مدير مكتب دولته، ولم يبق سوى" دبِّر حالك" مع "معالي عطوفة سعادة دولته"
ينبغي لنا في الأردن أن نتقدم بطلب لوضعنا ضمن موسوعة جينيس للأرقام القياسية في كثرة هذه الألقاب المتداولة، كم هائل من حملة الألقاب التي تعيق الحركة في وقت لا يغيب عن ذهننا أسئلة من بينها هل هذه الألقاب هي التي ستطورنا و نعلق عليها الآمال في مكافحة الفساد والبطالة والفقر مثلا ... و لماذا نحن إذا ً على هذا الحال من الفساد طالما أن لدينا جيوشا ً من أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة، ماذا فعلوا ؟ وماذا قدموا حتى استحقوا كل هذه الألقاب ؟....
في الدول التي نعترف جميعاً بأنها متحضرة ومتقدمة هناك مجتمعات تعليمية ومهنية وإدارية ضخمة وراقية.... القائمون عليها متخصصون في شتى حقول العلم والمعرفة والإدارة، لا علاقة لهم بالألقاب، لا يسمعون بها ولا يتنابزون بها، فنجدهم منتجون مطورون يقودون بلادهم إلى أعلى المراتب، يتحدون بها العالم في الإدارة والقيادة والعلوم والصناعة ...
برأيي أن هذه الألقاب ما هي إلا أوسمة يرضى بها الحمقى والصغار، وأن الرجال العظام ليسوا بحاجة إلا لأسمائهم فقط لتدلل عليهم، لم يتخذ النبي محمد لنفسه لقب دولة أو معالي أو عطوفة أو سماحة ، فانه لو فعل ذلك لما قال الله تعالى عنه: أنك لعلى خلق عظيم.
staani@uop.edu.jo