ماذا ربحنا وماذا خسرنا جراء إدارة ملف الفوسفات بهذه الطريقة ، وما هي الحكمة وراء ذلك. فهل اقفل الملف بهذه الطريقة وحظي القرار بالشرعية الشعبية واشاع مناخ مقبول أو جزئي من الرضى العام، وهل المبررات النيابية والسجالات القانونية التي تؤيد قرار البرلمان أو تعارضه لامست جوهر القضية بالنسبة للرأي العام واستطاعت ان تقنعه وهوالطرف الاساسي في القضية ، ثم هل كسبنا في هذه المرحلة المفصلية نقطة ايجابية ولو كانت بسيطة في طريق اعادة الثقة بالسلطة التشريعية على اعتبارها حلقة الوصل بين المواطنين والنظام السياسي، وهل المبررات وراء ادارة الملف بهذ الشكل أهم من محاولة تعزيز الثقة بالنظام السياسي ومؤسساته؟ هذه الاسئلة وغيرها من الاسئلة في مجالات أخرى تفرض علينا تساؤل رئيسي كبير الى أين نتجه ، وما هي الحكمة من هذه الطريقة في ادارة الأزمات والملفات.
في قضية الفوسفات، فإن جردة حساب بسيطة ومن خلال متابعة ردود الفعل العامة، تشير من ناحية الى أن الملف بدل أن يقفل عاد الى الواجهة بقوة وعلى نطاق أوسع ليلامس كافة مكونات المجتمع محمل بإثقال جديدة وتساؤلات بالغة الخطورة والحساسية ، عمقت من حالة الأحباط العامة تجاه الاصلاح ومكافحة الفساد . فقرار المجلس وإن حال دون إحالة الملف إلى القضاء الا انه لم ينزعه من صدور الناس ومن ان يستمر كقضية رأي عام .
ومن ناحية ثانية: فقد تعرض مجلس النواب والسلطة التشريعية لهزة جديدة عززت من ازمة الثقة فيه ، وبالتالي بالنظام السياسي الذي تشكل السلطة التشريعية أحد أهم أركانه، وبجدوى هذه السلطة وجدوى ممارسة العملية الديمقراطية، وبجدوى كافة الطرق والمداخل التي تتنج هذه السلطة. وهذا تحول بالغ الحساسية فالناس عندما ترى محاكم ولا ترى سجون وعندما ترى جرائم ولا ترى مجرمين يتنامى بداخلها عاملي القهر وفقدان الثقة، وهذا ما بات يشير اليه المزاج العام والقناعات العامة التي تولدت لدى مختلف الفئات ، فعملية التشكيك بجدوى الاصلاح وجديته انتقلت من افق الحراكات ورؤوس ناشطيها الى الأفق العام الذي بات يتشارك فيها الجميع.
الاستمرار بذات الطريقة والأسلوب في إدارة هذه المرحلة لم ينتج سوى تضخيم الأزمات ودفع الناس الى جدران صماء، وتزايد الاسئلة الكبيرة التي لا تجد اجابات، والمبررات ومحاولات التذاكي او تجاهل الاخر او التصعيع العنفي والقفز فوق وعيه او اقناعه بالاكراه ينبغي ان لا تكون ضمن مفردات اي طرف في التعامل مع هذه المرحلة الحساسة في عمر بلدنا والمنطقة.
ليس المطلوب تجريم أي شخص على افعال لم يقترفها حتى نقنع الناس والحراكات الشعبية بجدية الاصلاح وبجدية التعامل مع ملف الفساد، ولا تبرئة من هو متورط فعلا لنقول ليس هناك فساد. المطلوب فقط ان تقتنع الناس بحيادية وصدقية وشفافية الاجراءات في الوصول الى كلتا الحالتين وبان هناك سيادة للقانون فوق أي شيئ وأي اعتبار. وفي هذا الملف كان الرأي حتى تستعيد السلطة التشريعية جزء من ثقة الرأي العام وفي أقل الأحوال أن لا تتعرض لمزيد من الأنهيار ان تتخذ قراراً بإحالة كافة ملفات الفساد التي تعرض عليها الى القضاء، مما يوفر صيغة شفافة ومقنعة للناس للتعامل مع هذا الملف، وتجنب السلطة التشريعية الدخول في مزيد من الازمات التي من شأنها افقادها المزيد من الثقة وبالتالي زيادة حدة درجة الازمة السياسية في البلاد.
ملف الفوسفات سيعود من جديد للقضاء عن طريق السلطة التنفيذية ا عبر هيئة مكافحة الفساد وقد افلحت في موقفها وعندها ستكون السلطة التشريعية امام محك جديد، كان بمقدورها ان تتفاده لو ان مجلس النواب احال للقضاء ملف الفوسفات بالتعديلات أو الصيغة التي يراها أنسب من صيغة لجنة التحقق النيابية.
استعادة الثقة بالسلطة التشريعية وبقدرتها على القيام بوظائفها الدستورية في هذه المرحلة أهم من كسب أي جولة أو ملف أو فريق فاستمرار انهيار عامل الثقة بهذه السلطة لن يكون من شأنه الا الانزلاق الى مواقع شديدة الخطورة والنتائج، وتعميق ازمة النظام السياسي، وعندها قد لا يجدي حل المجلس كمخرج لهذا الانهيار.