ثمة مقولة فحواها أنه "عندما يعم اللامنطق، يصبح كل شيء معقولاًَ"! ويبدو أننا في مرحلة تستدعي مراجعة نقدية وصريحة للأحداث الجارية، في سياق فهم ما يدور والخروج من عنق الزجاجة.
فالمشهد أصبح "مسرحا برختيا" مفتوحا على كل الاحتمالات، يستحق لغة العقل التي أصبحت في إجازة طويلة. والشارع يبحث عن إجابات، لكن الإجابات مبهمة وغير واضحة، وأصبحت مغلفة بنكهة عرفية وتصعيدية، تبتعد عن مسار التهدئة والحل. لذلك، فإن الاجتهادات التي تقدم هنا أو هناك لا تصب في مصلحة المشروع الوطني الذي يسعى إلى الخروج من عنق الزجاجة، بل على العكس تماما، فإن القراءات التي تقدم لحالة الحراك الشعبي، والتي وصفتها الزميلة جمانة غنيمات في مقالها أمس، تستهين بحجم المشكلة. ولا يقتصر الأمر على الاستهانة، بل يصحبه تصعيد ونفير عام يساهم في زيادة التوتر. ولذلك نجد أن مقولة اللامنطق هي التي جعلت من كل شيء معقولا، وهذا المعقول مرشح للزيادة في كل ما لا يفكر فيه!
في حديث حول ما يدور في العالم العربي مع الدكتور فاضل الربيعي، على خلفية دراسة له تتعلق بالليبرالية ومسيرتها التاريخية نشرها منذ أيام، يشير إلى أن ثمة إخفاقا في فهم حالة المجتمعات من قبل النخب. وهذا الإخفاق كلف الوعي ومسيرة التقدم والديمقراطية الكثير. المشهد البريختي المفتوح بحاجة إلى ضبط من قبل كل الأطراف. وفي الحالة الأردنية، تستدعي الضرورة أن نتعلم من التجارب القاسية التي حول الأردن، ويجب أن نستخلص الدروس والعبر مما دار في المنطقة كلها.
فليس صحيحا البحث عن حل للواقع الديمقراطي المنشود بأي ثمن، وفي ذات السياق العقلاني أيضا ليس الحفاظ على الدولة بأي ثمن؛ هذه المعادلات مدمرّة، وتجرنا إلى الخراب الذي كلنا ننبذه. نعم للإصلاح ولكن دون ضياع الدولة، ونعم للدولة ولكن دون ضياع الإصلاح؛ وضمن سياق هذه المعادلة الناضجة نستطيع العبور إلى شاطئ الأمان، وأن نكسر الزجاجة من أصلها.
إسكات الحراك الشعبي بطريقة الاعتقال وممارسة التشويه له وتوجيه التهم، غير مقبول وعلينا أن نتعظ من التجارب الاخرى. نحن بحاجة إلى خطاب عقلاني متوازن، يتسم بلغة تصالحية بين الدولة والمجتمع، وكل الأطراف معنية دون أن يكون هناك استثناء. فسلطة القانون يجب أن تطبق على الجميع دون استثناء، وعلى الكبير قبل الصغير، لأن الاجتزاء في تطبيق سلطة القانون يعني أن الدولة تخلت عن باقي أفراد المجتمع، ليكون الرد بتصعيد من قبل تلك الفئات التي تشعر أنها مغبونة، وأن الناس "خيار وفقوس"!
هذا الاجتزاء في التطبيق يقوي الشعور بالتحدي لمن يعتقد أن الدولة ليست جزءا منه، ولذلك يتصرف وفق هواه. وهذا يعني خلق المعادلة الصعبة التي أشرنا إليها. ومن ثم، يجب أن نضبط إيقاع التصعيد الحالي؛ فالتجارب من حولنا قاسية.
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد