كلام هادئ حول غضبة الطفيلة
ماهر ابو طير
14-03-2012 02:14 AM
تقرأ ردود الفعل على ما يجري في الطفيلة، فتجد إما لوماً منبرياً للطفيلة ومن فيها وإما لوماً عاطفياً للدولة ولإجراءاتها، ولا أحد يتوسط ليروي كل القصة من بدايتها منصفاً الناس من جهة ومحافظاً على فكرة الدولة واستقرارها.
تاريخياً تعد الطفيلة إحدى المحافظات التي تمد خزان الدم بالرجال من العسكر والمدنيين، محافظة جنوبية ما أدار أهلها ظهرهم لدولتهم ولا لبلدهم، وبقيت دوماً صابرة على الفقر وقلة الفرص وتجاهل الحكومات لها ولأهلها وهو تجاهل كريه ومذموم.
منذ سنوات والطفيلة ترسل الرسالة تلو الرسالة، وأذكر عام ألفين وستة حيث كنت برفقة رئيس الوزراء السابق معروف البخيت في زيارة الى الطفيلة كيف عبّر ابناء المحافظة عن ضيقهم ومشاكلهم وهذا التجاهل والإهمال التاريخي لمنطقة من مناطقنا.
كلام كثير قيل يومها فأهل الطفيلة يهجرونها يوماً بعد يوم والمشاريع قليلة والمحافظة تنقصها التنمية وكأنها ليست موجودة على خريطة البلد، ولم تسكت المحافظة بل أرسلت رسائل أخرى عبر الحكومات اللاحقة ولنا في قصص مختلفة ادلة على ذلك.
كان الأصل ان يتوقف مطبخ القرار في البلد عند ضيق الناس و جروحهم وعدم التعامل مع الناس بفوقية وتكبر والتوقف قليلا عند أنين المحافظات عموماً والجنوبية خصوصاً غير أن سوء الإدارة وتجاهل الناس باتا يولدان غضباً على غضب.
بقيت الأمور حتى وصلت الى ما وصلت اليه، وعقلاء الطفيلة تاريخياً لم ينقلبوا على الدولة ولم يطعنوا البلد بظهره وهذا السلوك كان لا بد ان يثمر لا باعتباره فاتورة بمثابة الواجب دفعها بهذا المنطق الفوقي لبعض حكوماتنا.
نتأمل اليوم المشهد، حراكات في كل مكان، حراكات في الطفيلة توقيف شباب من المحافظة، غضب اجتماعي بسبب الحاجة للعمل ومائتا شاب يريدون وظائف لا يتم تشغيلهم رغم ان تشغيلهم ُيكلف الدولة اقل بكثير من كلفة فتح نفق في عمان.
الشعارات الوطنية العامة السياسية مثل محاربة الفساد وغيرها باتت عنوانا ثابتا أيضا في حراك الطفيلة لأن القهر لم يعد فردياً بل بات جماعياً وممتداً من محافظة الى اخرى.
تعقدت المشكلة اليوم والجمعة المقبلة هناك كلام كثير عن تصعيد غير معروف السقف وشخصيات من الطفيلة أعيانا ونوابا يصدرون بياناً ساخناً وهكذا يتوالى التصعيد وتنقلب المشكلة من اقتصادية واجتماعية الى سياسية وامنية.
هذا خطر لايمكن تبسيطه، وتوقيف الناس لا يحل المشكلة بل يزرع الثارات بين الدولة والناس ويمنح كثرة المجال للنفخ في النار والتحريض من اجل دب الفوضى في البلد والقوى المتربصة التي تريد تحويل الطفيلة سببا للتفجير لا تعد ولا تحصى.
لابد من حل مشكلة الطفيلة جذرياً بغير هذه الوسائل فالنزول الى الناس هو الحل والاستماع اليهم وتلبية مطالبهم ورفع الظلم والفقر والحاجة وتأسيس العدالة كحالة اجتماعية وازالة الاحتقان من النفوس هي حلول وحيدة بعيداً عن مبدأ التصعيد.
من الجهل بمكان ان يتم تبسيط مشكلة الطفيلة وحصرها بآخر اسبوعين، وما قاله فلان او فعله فلان لأن الطفيلة منذ سنوات وهي تبرق برسائل متوالية ولو كان لدينا احد يسمع لما وصلنا لهذا المستوى من التعقيد.
فوق ذلك على الدولة ان تتذكر ان بعض نخب الطفيلة لا يحوز على ثقة اهلنا في الطفيلة، ومن يريد ادعاء وكالة الناس في الطفيلة أن يثبت أنه وكيل للناس هناك وهذه إحدى المشاكل الكبيرة.
أهل الطفيلة لا وكيل لهم اليوم حتى لو ادعى هذا أو ذاك أنه قادر على تسوية الأمور معهم وتهدئتهم ثم قبض الثمن نيابة عن الناس وتركهم على حالهم.
الوكلاء الذين تم تسمينهم على حساب اهلنا في الطفيلة اضروا ايضاً بالحبل السري بين الطفيلة والدولة، لأنهم فازوا بالمغانم على حساب الطفيلة تاركين الناس فرادى واسارى لهمومهم.
الطفيلة قصة لم تكن صعبة لكنكم تركتموها تكبر وتكبر لتصبح معقدة بدلا من الاستماع للناس واشعارهم بالعدالة والحياة ورفع الضيم عن حياتهم وهكذا فإن سوء ادارة ازماتنا ادى بكل بساطة لتأزيم الداخل.
قد يتم توقيف العشرات وقد يتم توتير الناس غير ان المشكلة تتعمق وتزداد حدتها وبدلا من ذلك علينا ان نصالح الطفيلة وأهلها ونطلق سراح شبابها وان تذهب الدولة بكل ما فيها الى هناك لأن العتب يغسل القلوب ولأن الناس يريدون دولتهم ايضا.
الطفيلة ليست انقلابية وأهلها لم يطعنوا بلدهم يوما غير أن هناك من يريد تحويلها من محافظة وادعة الى قنبلة متفجرة والعقلاء لدينا -ان تبقى عقلاء- عليهم ان يستيقظوا لأن الدنيا تغيرت حقاً.
التنازل للطفيلة وأهلها ليس تنازلا، فهؤلاء أهلنا ومداواة الجروح المزمنة خير ما يفعله الرجل لأهل بيته، وعلينا ان نتذكر أننا شعب يعرف كل واحد فينا الآخر بما يجعل فرصة تنفيس الاحتقانات عالية وآمنة ومتوافرة.
صبر الناس التاريخي لا يعني الضعف وتجاهل أنين الناس تحت عنوان ان صبرهم لا ينفذ تجاهل يؤشر على ضعف البصيرة.
(الدستور)